عن معارضة الكونغرس الأميركي للدعم اللاعنفي لحقوق الفلسطينيين

ناشطون يدعون إلى سحب الاستثمارات ومقاطعة الكيان الإسرائيلي ومعاقبته - (أرشيفية)
ناشطون يدعون إلى سحب الاستثمارات ومقاطعة الكيان الإسرائيلي ومعاقبته - (أرشيفية)
ترجمة: علاء الدين أبو زينة ميتشل بليتنيك – (لوبيلوغ) 26/7/2019 لم يكن الأسبوع الماضي جيدا للديمقراطيين، وخاصة أولئك الذين يرغبون في عرض حزبهم على أنه البديل التقدمي لنظام ترامب-ماكونيل. فبينما واصلت قيادة الحزب الضعيفة تجنب اتخاذ أي إجراء ضد دونالد ترامب بسبب جرائمه العديدة -التي تتجاوز كثيرا مسائل روسيا- فإنها وجدت الوقت لتمرير مشروع قانون يعارض حق المواطنين الأميركيين في استخدام النفوذ الاقتصادي للضغط من أجل إحداث تغيير في إسرائيل-فلسطين. تم إقرار "هـ 246"، مشروع قانون مجلس النواب الذي بلا اسم والذي يُعلن معارضة مجلس النواب لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، بأغلبية 398 مؤيدا في مقابل 17 صوتا معارضا فقط (16 ديمقراطيا وجمهوريا واحدا). وكان مشروع القانون أضعف بكثير من نوع التشريع الذي كانت لجنة الشؤون العامة الأميركية-الإسرائيلية (AIPAC) تأمل في تمريره لتجريم حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات على المستوى الاتحادي. وقد تعارضت هذه الجهود مع مخاوف على حرية التعبير بين مجموعة واسعة من أعضاء الكونغرس. في النهاية، تعامل القرار "هـ 246" مع هذه المخاوف بما يكفي لكسب دعم الجماعات اليهودية المعتدلة نسبيا مثل "جيه ستريت"، و"أميينو"، و"شركاء من أجل إسرائيل تقدمية"، و"المجلس القومي للنساء اليهوديات" و"إعادة بناء اليهودية". لكن القضايا الأساسية بقيت بلا حل. ولو أننا كنا نجري مناقشة عقلانية حول سياسة المقاطعة وسياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل- فلسطين بشكل عام، لكانت هذه القضايا ستشكل عقبة. مقاطعة مدنية يحاول مشروع القانون حل تناقض أساسي بين التشريع الذي يعارض -حتى لو كان ذلك خطابيا- مقاطعة ينفذها مواطنون، وبين الحق في حرية التعبير. ويحمي التعديل الأول للدستور الأميركي حرية التعبير عن الأفكار من التدخل الحكومي. وهو يميز بشكل حاسم وواضح بين الإجراءات الحكومية والإجراءات الاجتماعية أو الثقافية للحد من حرية التعبير. وهذا هو السبب في أن الأمر كان سخيفا للغاية عندما غرَّد السيناتور ماركو روبيو (جمهوري من فلوريدا) عند مناقشة مشروع قانون مناهضة حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات في مجلس الشيوخ في وقت سابق من هذا العام: "مشروعي لا يعاقِب على أي نشاط سياسي. إنه يحمي حق الحكومات المحلية وحكومات الولايات التي تقرر عدم التعامل مع أولئك الذين يقاطعون إسرائيل. ولذلك، تكون مقاطعة #إسرائيل حقا دستوريا؛ لكن مقاطعة أولئك المشاركين في #حملة المقاطعة ليست كذلك"؟ كما يظهر، فشل روبيو في التمييز بين الإجراءات الحكومية وتلك الخاصة بالأفراد أو الشركات. وكان ذلك مثالا محزنا على الجهل، عن قصد أو غير ذلك، بأهم ميزات التعديل الأول. ومع أن القانون "هـ 246" يفعل أفضل في هذا السياق، فإنه يظل قاصرا أيضا. بل إن مشروع قانون مجلس النواب ذهب إلى حد النص صراحة، من بين بنود القرار، على أن المجلس "يؤكد الحق الدستوري لمواطني الولايات المتحدة في حرية التعبير، بما في ذلك الحق في الاحتجاج أو انتقاد سياسات الولايات المتحدة أو الحكومات الأجنبية". بما أن المحكمة العليا حكمت بأن المقاطعة تعتبر خطابا محميا بموجب الدستور، فإن هذه العبارة تتضمن، وإنما لا تشير صراحة، أن مجلس النواب يؤكد الحق في المقاطعة. ولا يفعل مشروع القانون أكثر من التعبير عن معارضة المجلس لحملة فرض العقوبات وسحب الاستثمارات ضد إسرائيل، وهو لا ينص على أي عقوبات عليها. وهذا أفضل من مشروع قانون روبيو، لكنه يظل مع ذلك إشكاليا إلى حد كبير. فالقانون هـ 246 لا يتعارض تقنيا مع الدستور لأنه لا يسن قانونا "يختزل" حرية التعبير. ويوفر هذا له الحماية ضد أي طعن قانوني. لكن الشكل المثالي من التعبير المتحرر من التدخل الحكومي يتجاوز مجرد تمتعه بالشرعية. فكمبدأ سياسي ديمقراطي، يتطلب التعبير الحر أن يتم تقييد الحكومة أيضا عن محاولة تثبيط الخطاب المحمي دستوريا. تبدو الآراء التي أعرب عنها مجلس النواب شرعية تماما بالنسبة للدعاة المؤيدين لإسرائيل. ولكن، يجب على الحكومة القيام بدور مختلف. قد تملي السياسة السياسة، لكنها لا ينبغي أن تقود الحكومة إلى التحيز في نقاش سياسي مفتوح. ليس مكان الحكومة تثبيط النشاط السياسي الذي يتم بطريقة قانونية وغير عنيفة. ويجب حماية هذا النشاط من تدخل الحكومة، بما في ذلك حتى عندما تقوم الحكومة بتثبيطه من دون فرض عقوبة عليه. هذا هو المكان الذي فشل فيه مشروع القانون "هـ 246". ربما يكون هذا هو مكمن القلق العميق إزاء قانون مجلس النواب 246. حيث يمكن أن يشكل تدخل الحكومة في حملة مقاطعة ينفذها المجتمع المدني تثبيطا لإحدى الأدوات القليلة التي يمكن للمواطنين العاديين الضغط بها من أجل التغيير، وخاصة عندما يكون التغيير الذي يريدون رؤيته يتعلق بحكومة أجنبية أو كيان آخر، حيث لا يستمدون أي سلطة من صندوق الاقتراع. وهذا مبدأ أساسي. وعلى الرغم من أن مشروع القانون نفسه يعيد تأكيد حماية التعبير والاحتجاج، فإنه لا يؤكد صراحة، كما فعلت المحكمة العليا، على حق الناس في المقاطعة. الدفاع عن النشاط من أجل الحقوق الفلسطينية بالإضافة إلى المبدأ العام، هناك أيضا مكمن قلق خاص في قضية إسرائيل- فلسطين. وربما يتضح الأمر في أفضل صورة في سلسلة من التغريدات التي أرسلها دانييل شابيرو، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل في عهد رئاسة باراك أوباما. وكتب عن القانون الجديد في تغريدة: "إنه بيان بأغلبية ساحقة من الحزبين ضد حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات. إن حركة المقاطعة، في جوهرها، تنزع الشرعية عن وجود إسرائيل، وليس عن سياساتها. إنه لأمر تاريخي؛ معاملة إسرائيل كفاعل منفرد مسؤول عن النزاع، وإعفاء الفلسطينيين من دورهم". لكن هذا موقف سياسي مشروع ليتخذه الفلسطينيون، وبالتالي ليدعمه مؤيدوهم. يمكن للحكومة الأميركية، على سبيل السياسة العامة، أن تعلن دعمها لموقف إسرائيل كشأن سياسي، لكن محاولة إضعاف تصرفات المواطنين الخاصين دعما لوجهة نظرهم الخاصة هي خطوة مفرطة جدا، وينبغي أن يعرف شابيرو ذلك. الفكرة القائلة بأن المدافعين عن الحقوق الفلسطينية هم أحاديو الجانب هي فكرة غريبة على أقل تقدير. لدى الإدارة الأميركية الحالية سفير، واثنان من المفاوضين الرئيسيين الذين لا يدعمون حركة المستوطنين الإسرائيليين فحسب، وإنما هم أجزاء نشطة من هذه الحركة، وقد عملوا كوكلاء لها بصفتهم الرسمية. وقد تخلت هذه الإدارة عن عقود من السياسات التي انتهجها الحزبان، لتقوم بممارسة ضغوط مرعبة على الفلسطينيين. ومع ذلك، يعتقد شابيرو أن على مجلس النواب أن يعلن معارضته لحركة مجتمع مدني بحتة مؤيدة للفلسطينيين؟ لدى إسرائيل شبكة راسخة جيدا، ذات قدرة قوية على الوصول إلى مجلسي الكونغرس والسلطة التنفيذية، للدفاع عن موقفها. وتعتبر بعض الجماعات المؤيدة لإسرائيل نفسها وكيلة للسلام وتعمل مع الفلسطينيين الذين ينحازون إلى سياساتها، مثل "جيه ستريت" و"أميركيون من أجل السلام الآن" والمجموعات المماثلة. لكن معظم نقاط حديث ورسائل الجماعات الموالية لإسرائيل مصممة للدفاع عن إسرائيل ومهاجمة الفلسطينيين. هذا هو الحال بالنسبة للمدافعين، كما أن الانقسام بين الجماعات المعتدلة والدعاة الأكثر تشددا المؤيدين لإسرائيل، مثل اللجنة اليهودية الأميركية "آيباك"، والمنظمة الصهيونية الأميركية، والمسيحيين المتحدين من أجل إسرائيل وغيرها، هو أمر شائع أيضا. ومع ذلك، لا أسمع شابيرو يعرب عن قلقه إزاء نهج أحادي الجانب في هذا كله. وتجدر الإشارة إلى أن مجموعات حركة المقاطعة تذكر غالبا أن جهودها تهدف إلى تعزيز حقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق اليهود الإسرائيليين، تماما كما تعبر بعض الجماعات المؤيدة لإسرائيل عن قلقها من أجل الفلسطينيين. تتضمن حجة شابيرو أيضا ذلك الجهد المألوف للمساواة بين طرفي الصراع، والتحدث عن النزاع كما لو أنه يحدث بين طرفين متساويين بشكل معقول بدلا من كونه صراعا بين قوة احتلال تحتفظ بـ"علاقة خاصة" مع القوة العظمى الوحيدة في العالم من جهة، وبين شعب خاضع للاحتلال بلا دوله، وبعدد قليل من الحلفاء الذين لا يقدمون أي شيء لقضيته أكثر من الإحسان والخدمة الكلامية من جهة أخرى. يتابع شابيرو: "إن معارضة حركة المقاطعة لا تعني أن المرء لا يستطيع أن ينتقد السياسات الإسرائيلية، بشأن المستوطنات، أو الهدم، أو أشياء أخرى. هذه كلها لعبة عادلة. لكنها ترفض النهج الشامل أحادي الجانب الذي ينتهجه نشطاء حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات، والذي لا يقدم شيئا من شأنه المساعدة في حل النزاع". هذه أيضا نقاط حديث مألوفة. من المقبول انتقاد السياسات الإسرائيلية، خاصة تلك التي انتقدتها الحكومة الأميركية نفسها -بدرجات متفاوتة من الاتساق. لكن اتخاذ إجراءات ملموسة ضدها ليس كذلك. وهذا أيضا يحاكي عقودا من ردود فعل الولايات المتحدة على هذه السياسات الإسرائيلية. ولكن ما مِن سبب يدعو المواطنين العاديين إلى القبول بهذا الوضع، ببساطة. لدى المواطنين الخاصين أدوات قليلة لخلق التغيير الذي يتصورونه في إسرائيل-وفلسطين. والمقاطعة هي واحدة من هذه الأدوات القليلة، وليس للحكومة الأميركية شأن بمحاولة تثبيط استخدامها إذا كانت تؤمن بمجتمع ديمقراطي حقيقي. وكما قال جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي-الأميركي، ردا على ذلك في تغريدة: "لقد تمت معاقبة الفلسطينيين مسبقا من خلال الكثير من تشريعات الكونغرس. ولا توجد قيود على الاحتلال الإسرائيلي -وقد استولوا على الأراضي وهدموا المنازل وبنوا مستعمرات وطرقا مقصورة على استخدام اليهود فقط- من دون عقاب. إن حركة المقاطعة هي الأداة الوحيدة غير العنيفة التي يمتلكها الفلسطينيون". كان قانون مجلس النواب رقم 246 قانونا بلا أسنان بفضل الجهود المكثفة التي بذلتها على مدى العامين الماضيين مجموعة متنوعة من الجماعات المدافعة عن حرية التعبير. وتم تعديل مشروع القانون لدرجة أنه استطاع أن يجتاز الفحص القانوني. لكن هذا لا يجعله مقبولا، ولا يعني أنه يتسق مع مبدأ حرية التعبير. لقد أقر الكونغرس، في الماضي، قوانينا تفرض عقوبات على الفلسطينيين بسبب رفعهم قضايا ضد إسرائيل أمام الهيئات القانونية الدولية. ويفعل الكونغرس كل ما في وسعه لمعارضة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات. وفي الأثناء، وسعت إسرائيل المستوطنات غير القانونية، ونبذت حل الدولتين، وتجاهلت مبادرة السلام العربية، وشددت احتلالها للضفة الغربية، وحولت غزة إلى أكبر سجن في العالم في الهواء الطلق، وقتلت وجرحت وسجنت الآلاف فوق الآلاف من الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال. وهذا كله مرعب، لكن الأمر يستحق السؤال: إذا كانت الولايات المتحدة تعوق ردود الفعل الفلسطينية غير العنيفة بينما لا تفعل أي شيء للحد من حصانة إسرائيل وإفلاتها من العقاب، فما هو بالضبط نوع رد الفعل الذي تقوم بتوجيه الفلسطينيين نحوه؟ الجواب واضح، وينبغي أن يكون مصدر قلق لنا جميعا. *MITCHELL PLITNICK: محلل وكاتب سياسي. وتشمل وظائفه السابقة، نائب رئيس مؤسسة السلام في الشرق الأوسط، ومدير مكتب منظمة "بتسيلم" الأميركي: مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة؛ والمدير المشارك لصوت اليهود من أجل السلام. ظهرت كتاباته في صحيفة "هآرتس" و"نيو ريبابليك" و"جوردان تايمز" و"ميدل إيست ريبورت" و"سان فرانسيسكو كرونيكل" ومجلة +972 وOutlook وغيرها من المنافذ. كان كاتب عمود في مجلة Tikkun وZeek Magazine وSouciant. تحدث في جميع أنحاء البلاد عن سياسات الشرق الأوسط، وقدم بانتظام تعليقات في مجموعة واسعة من وسائل الإعلام الإذاعية والتلفزيونية. *نشر هذا المقال تحت عنوان: Congress Opposes Non-Violent Support for Palestinian Rights [email protected]اضافة اعلان