عودة إلى الصكوك الإسلامية السيادية والأهمية الاقتصادية

غسان الطالب*

لجأت الحكومة وهيئاتها المختصة في رسم وتنفيذ السياسات المالية للبلد الى إجراءات مالية عدة وصفت بالقاسية لبلد مثل الأردن يعيش ظروفا اقتصادية صعبة منها مشكلة البطالة ومحدودية الموارد، الاستضافة القسرية لملايين اللاجئين السوريين وغيرهم، إضافة الى ما يمثله الإضطراب السياسي والأمني في دول الجوار المحيطة من عنصر ضغط على القطاعات الاقتصادية الوطنية كافة، الأمر الذي أوجد فجوة كبيرة في عجز الموازنة وزيادة في حجم الدين العام بشقيه، الدين المحلي بالدينار الأردني والدين الخارجي والمقيم بالدولار؛ حيث إن الأخير يشكل عبئا والتزاما على الاقتصاد الوطني للجهات المقرضة قد يؤدي إلى نتائج غير محمودة العواقب يتعرض لها سواء من حيث الكلفة المرتفعة لهذا الدين أو في العلاقة المالية والتجارية مع العالم، ما يترتب على هذا الدين من التزامات ما يسمى بخدمة الدين العام.اضافة اعلان
يبقى اللجوء إلى الاقتراض الداخلي وبالدينار الأردني خيارا أقل كلفة ويمكن كذلك للسلطة النقدية إذا أحسن استعماله أن يكون أداة ضبط للتضخم والمساهمة في الاستقرار النقدي للبلد، ومن أبسط المفاهيم الاقتصادية التي تتعلق بالارتفاع في المستوى العام للأسعار أو انخفاضها، هو التغير في قيمة النقود انخفاضا أو ارتفاعا، فانخفاض القوة الشرائية لوحدة النقد السائدة، يتأثر من جرائها دخل الفرد، فكيف اذا كانت الإجراءات المالية الأخيرة ستؤدي الى تراجع مستوى الدخل لدى الأفراد والنتيجة تراجع قدراتهم الشرائية وعدم القدرة على تسديد التزاماتهم الحياتية والضروريات.
ومن الآثار التي تنجم عن ذلك هو أن أصحاب الدخول الثابتة هم الأكثر تضررا لتراجع كمية السلع والخدمات التي كانوا يحصلون عليها من كمية النقود نفسها التي اعتادوا دفعها؛ حيث يضطرون إلى دفع كميات نقدية أكبر من دخولهم، وما سيرافق ذلك من أعباء اجتماعية إضافة إلى الاقتصادية، التي ستكون في مجملها ذات نتائج سلبية على الاقتصاد الوطني، حتى لو رافقت ذلك زيادة في دخلهم في كل الأحوال، فإنها لن تعادل القيمة الحقيقية لوحدة النقد التي ابتلعها ارتفاع الأسعار، وسيرافق ذلك تراجع في الإنتاجية للعاملين، وكذلك تراجع في جودة الإنتاج وظهور بعض السلوكيات الاجتماعية المرفوضة والمضرة بالمجتمع؛ مثل تفشي ظاهرة الفساد والرشوة والعنف المجتمعي وما شابه ذلك، كما سيؤدي إلى حصول أرباب العمل على معدلات ربح فاحشة بسبب امتلاكهم الأصول الرأسمالية والمواد الأوليّة وجميع مستلزمات الإنتاج وانخفاض قيمة الديون التي في ذمتهم؛ أي سيتم تسديد مديونياتهم بنقود أقل قيمة من القيمة التي اقترضت بها.
أما الأثر الثاني فسوف يكون على الاستثمار بشكل عام؛ حيث يتجه المستثمرون في مثل هذه الحالة إلى المضاربة في السلعة الضرورية لارتفاع الطلب عليها، وخصوصا الاستهلاكية أو الاستثمار في قطاع الخدمات للحصول على عائد سريع، وذلك على حساب قطاعي الصناعة والزراعة، كما سيتهربون في حالات التضخم من الاستثمار في قطاع السلع الأساسية لاعتبارات تتعلق بعدم اليقين واحتمالية تدخل الدولة في هذا القطاع أو توجههم إلى الاستثمار في قطاع العقارات للمحافظة على رؤوس أموالهم، ما سيؤدي إلى حرمان الاقتصاد الوطني من فرص استثمار حقيقية.
بعد كل هذا، أمامنا فرصة ذهبية، وهي الاستفادة من قانون الصكوك الإسلامية والذي تم بموجبه أول إصدار للصكوك السيادية لصالح شركة الكهرباء، فهو خيار استراتيجي وبديل منطقي وأخلاقي للجوء إلى الاقتراض الخارجي أو فرض ضرائب جديدة على المستهلك والاتجاه للمصارف الإسلامية العاملة في اقتصادنا الوطني، التي تقع عليها مسؤولية أخلاقية ووطنية، خصوصا وأنها تمتلك معدلات سيولة مرتفعة تسعى لتوظيفها، علما أن الصكوك الإسلامية تمثل إحدى أهم الأدوات المالية لتوظيف السيولة وتقديم التمويل المنسجم مع فلسفة هذه المصارف.

 *باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي