"عيار ناري".. للحقيقة وجوه أخرى

إسراء الردايدة مالمو- يطرح فيلم "عيار ناري"، وهو الأول لمخرجه المصري كريم الشناوي، فلسفة فكرية، هي الحقيقة واختلاف تفسيرها بقالب بوليسي. وفي إطار عرضه العالمي الأول في مهرجان مالمو للفيلم العربي في السويد، وبعد مشاركته في مهرجان الجونة السينمائي مؤخرا، تتشابك أحداث الفيلم في جوانب مختلفة، خاصة أن الأحداث ترتبط بأحداث "لاظوغلي" والاشتباكات التي أودت بضحايا قتلوا بطلق قناصة ضباط الداخلية على إثر ثورة 25 يناير، وحتى وصول جثث الضحايا إلى المشرحة. ومن هذه الجثث، جثة علاء أبو زيد "الممثل أحمد مالك"، يقوم بتشريحها طبيب "مدمن كحول"، ياسين "الممثل أحمد الفيشاوي"، الذي يعاني من مشكلات عائلية، ليثير بتقريره جدلا، بل هوس شعبي وإعلامي، وتطاله الاتهامات السياسية والأخلاقية. ويبدأ الطبيب رحلته بمعاونة الصحفية المتحمسة مها "روبي"، لإثبات صحة تقريره. وفي ضوء تلك الجوانب، تتحول أحداث الفيلم التي تكشف اللغز في الدقائق الأولى، للطعن في صحة التقرير الصحي وتنفي صفة الشهيد عن جثة علاء أبو زيد، مما يثير مسائل كثيرة. وبالرغم من أن الفيلم غني بعناصر كثيرة، مثل: رد فعل الشعب على تقرير الداخلية، وسمعة العائلة التي ستفقد صفة أم الشهيد، والطبيب الذي فقد سمعته الى جانب عمل الصحفية وحماسها، يتم تجاهلها والتركيز على الجانب الفلسفي فيه. شخصيات غير مكتملة في الوقت الذي تصارع فيه كل شخصية على حدة، لم يظهر حماس شخصية الصحفية مها، فلم يتعدّ الحصول على معلومة جديدة، وتحول لعمل روتيني تقوم به، والأمر ذاته، فيما يتعلق بمحاولات الطبيب ياسين، لإثبات براءته وإصراره على أن تقريره حقيقي وليس زائفا، لتتكرر كلمة "حقيقة" طيلة الفيلم على حساب عناصر أخرى أهم، لمنح العمل اختلافا عن غيره فيما يتعلق بالفكر الفلسفي المرتبط بتلك الكلمة، وكيف يراها كل جانب. ويغيب الإقناع في المشاهد التي يظهر بها أحمد مالك بشخصية "علاء" من خلال "الفلاش باك"، أثناء صراعه مع والدته "عارفة عبد الرسول" خلال محاولات إجباره لها على التوقيع في بيع المنزل، فيظهر غير متزن، وليس لديه مبررات وخلفيات واضحة لغضبه العارم وحالة الهيجان التي تحولت لعنف مبالغ فيه. استغلال لمفهوم الثورجي الحقيقة التي يتم طرحها بأسلوب فلسفي طيلة أحداث الفيلم تطال مفهوم الثورجي، من خلال كليشيهات وجمل على غرار "رايح أنزل يا أمس عشان مصر تبقى أحلى"، لتستخدم هنا كغطاء لجريمة تحول مجرما لـ"شهيد"، وتمنح عائلته ميزات غير شرعية. والخوف من الفضيحة يجعل من تلك العائلة، ورغم معرفتهم لحقيقة الابن العاق "علاء" يخفون الحقيقية، لتبقى الصفة "شهيد". ولا يختلف الأمر كثيرا مع تقرير المشرحة الذي حسم أن جثة علاء تحديدا تلقت طلقة من مسافة قريبة، بخلاف الجثث الأخرى التي قضت نحبها بأعيرة من قناصة الداخلية، وهو ما يمكن أن يثير شغبا وغضبا كبيرين بين الشعب، ولم يسلط عليه الضوء سوى بمشهد واحد، لتغلف الحقيقة مرة أخرى. وهنا برز أداء وحضور الممثل محمد ممدوح الذي لعب دور الأخ الأكبر "خالد أبو زيد"، كاريزما عالية، انفعالات عاطفية مضبوطة، فهو شقيق الشهيد، كما يريد الجميع أن يراه، وفي الوقت ذاته عامل في محجرة جبلية. فبين خجله من منح شقيقه صفة الشهيد، وهو الذي قتله دفاعا عن والدته، يبقى صامتا يتهرب من الجميع، ويهرب من نظراتهم طيلة الوقت، ليخفي مجددا تلك الحقيقة الواضحة. والأمر ذاته يتكرر في أداء الأم "عارفة عبد الرسول" التي تختار الصمت وهي الشاهد الأول، وبين الرغبة في حماية ابنها الأكبر، والخجل من الأصغر، تتوازن ببرود كبير، لتخفي فاجعتها وخجلها لإثم تلطيخ شهداء الثورة، وادعاء كاذب أن ابنها كان منهم، وكان همها الأكبر مبنيا على تصرف غريزي للأمومة في حماية صغارها. وهنا بين حقيقة من زور التقرير والشهود الحقيقيين، وهل الأعيرة النارية لقناصة الداخلية فعليا، وهل الحقيقة هي ما تراه منفردا أو ما يقر الجميع بأنه حقيقي؟ ليطلق فيلم "عيار ناري" طلقة تثير جدلا كبيرا بين مؤيد ومهاجم على حساب مفاهيم مختلفة، كلها تصب في تثبيت حكم مسبق على مفهوم الحقيقة، الذي تناثر بين فلسفة مبالغ بها، لأن الحياد في المشاعر غاب عنها. ويذكر أن "عيار ناري" قام بأداء الأدوار فيه كل من: أحمد الفيشاوي، روبي، محمد ممدوح، عارفة عبد الرسول، وأسماء أبو اليزيد، وضيوف الشرف: أحمد مالك، هنا شيحة، أحمد كمال، صفاء الطوخي، سامي مغاوري، محمد رضوان، ويضم فريق عمل الفيلم مدير التصوير عبد السلام موسى، ومصممة الملابس ناهد نصر الله، ومصمم الديكور علي حسام علي، والمنتج الفني أحمد يوسف، مونتاج: أحمد حافظ، مهندس الصوت: أحمد عدنان، مكساج: أحمد أبو السعد، موسيقى تصويرية: أمين بوحافة، إشراف عام: أحمد فهمي، تسويق "ماد سوشنز"، وإنتاج "أي بروداكشنز"، وفيلم كلينك "منتج" مشارك.اضافة اعلان