عيد العمال أم عهد الإهمال؟

نتذكر أن الأول من أيار (مايو) عيد العمال العالمي، فتعود بنا الأيام إلى مرحلة الأحكام العرفية، التي غادرناها في العام 1989، وتمر في الذاكرة الحالة النشطة للنقابات العمالية في تلك الفترة، وخاصة نقابة العاملين في المصارف، عندما كان يقودها نقباء مميزون، كالروائي جمال ناجي، ويوسف الحوراني، والدكتور حيدر رشيد.
كنا طلبة في الجامعات، لكننا كنا نشارك نقابة المصارف في احتفالاتها، حيث كانت النقابة تنظم رحلة اجتماعية في عيد العمال لكافة أعضائها وأسرهم وأصدقائهم، تقام خلالها المسابقات الثقافية، والأمسيات الشعرية، وحفلات الغناء الوطني.
أتذكر تلك الأيام، وأقارنها بأيامنا هذه، التي ما تزال مطالب الحركة العمالية فيها هي ذاتها التي تطالب بها منذ عشرات السنين بضرورة تعديل قانوني العمل والضمان الاجتماعي والنظام الموحد للنقابات العمالية، ومحاربة ظاهرة استشراء الفساد الإداري والمالي في قيادة الاتحاد، الذي لم تعد معظم قياداته تمثل فعلياً مطالب الحركة العمالية، وجمهور العمال الذي يعاني الأمرّين من تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وما تزال الشعارات ذاتها بضرورة إصلاح أوضاع الحركة العمالية كجزء من مشروع الإصلاح الوطني الديمقراطي الشامل.
يدخل علينا يوم العمال العالمي بنشاط احتجاجي ملحوظ في أكثر مواقع العمل، فنسمع كل يوم عن اعتصام عمالي، أو إضراب عن العمل، أو مذكرة احتجاجية تطالب بتحسين أوضاع العاملين، بعد أن تغولت الأسعار على رواتب العمال ولم تعد تكفي لتوفير قوت العيال بكرامة، ونسمع أصواتاً نقابية هرمت وهي تطالب بإسقاط قيادة الاتحاد الحالية التي تترأس النقابات العمالية منذ نحو عشرين عاماً.
في يوم العمال أوصى المرصد العمالي الأردني برفع مستويات الأجور لتصبح أكثر مواءمة مع المستويات المرتفعة لأسعار السلع والخدمات الأساسية، وربطها بمؤشر التضخم. وأشار في تقرير إلى الانخفاض الشديد في مستويات الأجور، إذ إن ما يقارب 27 بالمائة منهم تبلغ أجورهم الشهرية 200 دينار فأقل، و56 بالمائة تبلغ أجورهم الشهرية 300 دينار فأقل، وكذلك 78 بالمائة تبلغ أجورهم الشهرية 400 دينار فأقل. وهذه الأرقام تأخذ دلالة أكبر عندما نعلم أن خط الفقر المطلق (الغذائي وغير الغذائي) للأسرة المعيارية البالغة في الأردن 6 أفراد يبلغ 323 ديناراً، بمعنى أن الأسرة التي لا تستطيع أن تنفق هذا المبلغ تكون مصنفة ضمن الفقراء في الأردن، يرافقها حد أدنى للأجور منخفض جداً يبلغ 150 ديناراً شهرياً. الأمر الذي يشير بوضوح إلى أن غالبية العاملين بأجر في الأردن يصنفون ضمن العمالة الفقيرة.
وكشف التقرير عن أن هنالك قطاعات واسعة جداً من العاملين يتعرضون لانتهاكات شديدة، فما تزال أجور عشرات الآلاف تقل عن الحد الأدنى للأجور البالغ 150 ديناراً، وما تزال قطاعات واسعة منهم لا تتمتع بأي شكل من أشكال التأمينات الاجتماعية والصحية، وتعمل لساعات عمل طويلة تزيد عما هو مقرر في قانون العمل (8 ساعات)، ويفتقر العاملون إلى أبسط شروط الصحة والسلامة المهنية، إلى جانب عدم حصولهم على الإجازات الرسمية والسنوية والمرضية.
يأتي عيد العمال هذا العام مختلفاً في ظروفه العربية، حيث يستقبل عمال العالم وشعوبه في مختلف بقاع الأرض عيدهم تحت ظلال النهوض الشعبي الديمقراطي العربي من أجل الديمقراطية الشاملة والدولة المدنية والعدالة الاجتماعية، بعد اندحار عصر التطرفات الكبرى لليبرالية المتوحشة، التي تعيش اليوم أزمتها، الأزمة الاقتصادية العالمية، أزمة الليبرالية الجديدة المتوحشة؛ أصولية "حرية السوق" التي هُدرت بها حقوق الشعوب على يد الرأسمالية المتوحشة وتوابعها من مجموعات المافيات وعصابات الفساد، واستحالت بها ثورات القرنفل والورود إلى محض أشواك وتعميم للنهب والفقر.
الشيء الغريب في عيد العمال العالمي، وهو عطلة رسمية، أن الذين على رأس عملهم في هذا اليوم جلهم من العمال، والذين ينعمون براحة الإجازة أرباب العمل!

اضافة اعلان

[email protected]