عيسى: "متحف النوم" شعر صاف خال من زوائد اللغة

الجابري يقرأ قصائده في المركز الثقافي العربي أول من أمس - (تصوير: أسامة الرفاعي)
الجابري يقرأ قصائده في المركز الثقافي العربي أول من أمس - (تصوير: أسامة الرفاعي)

عزيزة علي

عمان - قال الشاعر والناقد د. راشد عيسى إن قصائد عبود الجابري "مصفاة من الضجيج حيث ينحاز للقارئ الفائق بعذوبة الحزن ونباهة المداميك اللغوية المستقلة بخصوصيتها".اضافة اعلان
وأضاف عيسى في حفل توقيع للشاعر عبود الجابري الذي نظمته دار فضاءات أول من أمس في مقر المركز الثقافي العربي، أداره الزميل الشاعر محمد عريقات، أن الجابري يبدو في مجموعته "متحف النوم" متقمصا شخصيتين جارحتين، إحداهما شخصية طفل مرعوب من ثقل الكهولة، يقف بجانب الكرة الأرضية حينا يقرصها من أذنها، وحينا يترك بين يديها حذاءه ويعود إليه.
والشخصية الثانية، وفق عيسى، ناسك راح يطرح على الوجود إجابات تبحث عن أسئلة على أنه بين رعب الطفولة ودمعة التنسك كان يبحث عن صباه الغائب لا ليعيش فيه، بل ليهبه لمن يستحق من المتورطين بتصديق كذبة الدنيا.
وقال عيسى "في هذه المجموعة نقرأ شعرا صافيا لا أثر فيه لتحسف المعنى أو تكلف الصورة أو شد شعر اللغة، أو دوزنة الإيقاع على لحن مشموم"، مشيرا إلى وجود شخصية شعرية مستقلة، تبرز فيها أنا شاهدة الشاعر محايدة ساهية لكنها في الوقت نفسه متساهية ومحتجة وساخرة ومألومة بمرارة احلى من السكر.
واشار عيسى إلى ما يقول الجابري في المجموعة:
"أنا تمثال الملح الذي
عاقبه الله بالمطر
عرفت ذلك
حين تذوقت دمعك
في يوم ماطر".
وأوضح أن "ذلك المقطع مشحون بالإيحاءات التي يجفل بعضها من بعض، فتمثال الملح جمود حزين وفيّ وخاسر، لكن هطول المطر أذابه، فأفقده خاصية الوفاء، في حين كان ينبغي على المطر ان يكون فأل خير".
ونوه إلى ان "الجابري يذكرنا بأن المطر كان منذ البدء فأل شر، فما ورد المطر في القرآن الكريم مثلا إلا وكان عقابا وسبب هذا العقاب هو تذوقه دمع محبوبته في يوم ماطر".
وقال إن تذوق الدمع أقصى حالات التوحد الروحاني والجسداني والوجداني مع الحبيبة، مشيرا إلى أنه لا يفسر المقطع انما يفكك العلاقات المتضادة في المعنى الورائي الجليل.
وأضاف عيسى "نحن أمام صورة شعرية باذخة، نفسية وحركية ولونية وصوتية ملغمة ببلاغة الإيماء وحنكة الاستعارة والتكنية، أي الشعر الصافي ذلك الذي يربك الحواس وكلما قاربه تأويلنا نأى عن أن نمسك بمحدوده وتركنا نعاني لذة الشطح والتأويل".
ورأى عيسى ان المجموعة تحتشد بأنماط شتى من بلاغات التصوير العفوي الماكر تلك التي تجعلنا احيانا نقضم برتقالة المعنى بقشرها الفائض بالكحول العذبة:
"مثل راع مخمور
اتمثل قلبي مطيعا
مهرولا
فأحتار
هل اتبعه
أم أسير أمامه"
وأشار إلى أن تلك المقاطع شعرية متدفقة بأعالي الحيرة نحو مناسك الذهول، فحين ينتصر سلطان القلب تلتبس النفس على نفسها، قفلب العاشق دائما سكران من شدة الصحو والحذر والخوف من سلطة الخفية والخذلان.
ورأى عيسى أن المجموعة فيها ظواهر اسلوبية بارقة من الانزياح والتناص والاشتباك الذكي الشفيف مع الموروث النصي القديم كقول الشاعر:
"أيتها الغمامة
لن يفرحني خراجك
ما دمت جرة فارغة
يتناوح في صدرها صدأ الهواء
وضجيج شفة عطشى".
وخلص عيسى إلى أن ثمة شعرية عند الجابري عالية مشفرة بالرموز الاليغورية والصوفية ومتعالقة بما هو قلق وجداني واغتراب ذاتي يشبه اغتراب النهر عن مجراه، ثمة هسيس لغوي رقيق، وتراتيل راهب اضاع معبده، مؤكدا أنها قصائد خصبة بالأسى والتوجع المكظوظ واسئلة الوجدان المتشظي.
بدوره، ألقى الشاعر مجموعة من قصائد المجموعة الجديدة منها :"حديث النهر، مناجل كفيفة، خلاص باهت، أونتخذه بلدا" وقرأ قصيدة بعنوان "أنت" جاء فيها:
حيث تضعين أذنيك
على تراب سكة القطار
وتنتظرين صريرا ناشفا
يأتي من ملكوت عابس".
ثم قرأ قصيد".
ومن قصيدة "حديث النهر" حيث قال الشاعر:
يتحدثان عن النهر
وهي، بعطشها القديم
وهو، بضفافه القاحلة..
يتلعثمان
في قراءة حروف الماء".

[email protected]