عِلم تشريح التهاوي

هآرتس

الوف بن

1/12/2010

إن برقيات "ويكيلكس" تحكي زيادة على النمائم وعدم السرية والأكاذيب الصغيرة، حكاية حزينة. فهي تصف تهاوي الامبراطورية الأميركية، وخمود القوة العظمى التي سيطرت على العالم بقوة تفوقها العسكري والاقتصادي. تُصور البرقيات الرئيسة باراك اوباما انه زعيم ضعيف مستسلم، تُبعثر نواياه الخيّرة ورؤاه السامية كالغبار في الريح إزاء محافظة وعناد نظرائه في الشرق الاوسط.

اضافة اعلان

مر زمن على استقبال سفراء اميركا في عواصم العالم كأنهم "مندوبون سامون". إن الدبلوماسيين الذين كتبوا وثائق "ويكيلكس" هم بيروقراطيون مُتعبون لم ينهض أحد تكريما لهم ولم يضرب بعقبه الارض عند دخولهم الغرفة. انهم يقضون ايامهم باصغاء مُتعِب لـ "نقاط تحادث" من مستضيفيهم، من دون أن يذكروا لهم من هي القوة العظمى ومن هي الدولة المرعية التي تحتاج الى المظلة العسكرية أو المالية من أميركا.

نُسي تراث وزراء الخارجية الأسطوريين من الماضي – جون فوستر دالاس، وهنري كيسنجر وجيمس بيكر. لا تجرؤ أميركا أوباما وهيلاري كلينتون على "ضرب الطاولة واسقاط الرؤوس" عندما لا يفعل اصدقاؤها وأعداؤها ما تشاء. انها تُسجل وتضع في ملفات وتنتقل الى الأمام.

لم يُغير انتخاب أوباما شيئا: يصعب أن نجد فروقا بين مدونات المحادثات السياسية من فترة جورج بوش، والبرقيات التي أرسلها ممثلو الادارة الحالية. وقد استقبلت خطبتا أنقرة والقاهرة لاوباما، ودعواته المتأثرة الى علاقات جديدة بين اميركا والعرب والمسلمين، بل واقتباسه من القرآن، بعدم اكتراث. لا يصدق الإسرائيليون العرب ويشك العرب بالإسرائيليين والجميع معا يخافون من إيران.

امتدحت صحيفة "نيويورك تايمز" أمس في مقالتها الافتتاحية اوباما ورجاله بأنهم دبلوماسيون ممتازون، ثبتوا لضغوط الدول العربية وإسرائيل، التي أرادت أن تهاجم أميركا إيران. أي سذاجة. يصعب أن نصدق أن قادة ذوي خبرة من العرب والإسرائيليين خطر ببالهم أن يقرأ اوباما البرقيات من الشرق الاوسط ويسارع الى تسليح طائرات الشبح ويعلن حربا على إيران. وقد علموا انه لا توجد في واشنطن حماسة شديدة لقصف نتانز وبوشهر. كان ضغطهم على الادارة يرمي الى هدف واحد وهو احباط جهود اوباما لمقاربة علي خامنئي ومحمود احمدي نجاد، وضمان أن تحافظ اميركا على نهجها الصارم نحو طهران.

كان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أول زعيم في العالم سخّر كشوف "ويكيليكس" لحاجاته. ففي مؤتمره الصحافي أول أمس، اعتمد على البرقيات المُسربة كي يطرح في القمامة مواقف اوباما ويُقدم أجندة "إيران أولا". فقد تم البرهان كما يرى نتنياهو على انه لا حقيقة في الرواية التي تقول إن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني أكبر خطر على المنطقة ومستقبلها. فهنا تصديق لمزاعم الدعاية الإسرائيلية التي لم تعد تصدق منذ سنين في الغرب والتي تقول ان الفلسطينيين ليسوا مهمين.