غائبون عن "وعد بلفور المشؤوم"!

للأسف، مر يوم الأحد الماضي، الذي صادف الذكرى الـ103 لما عُرف بـ»وعد بلفور المشؤوم»، مرور الكرام، وكأن شيئًا لم يكن، سواء على الصعيد الرسمي العربي والإسلامي، أو على الصعيد الشعبي، أو حتى الإعلام والصحافة. إذا كان وزير خارجية ما كانت تُسمى الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، آرثر جيمس بلفور، أعطى في الثاني من شهر تشرين الثاني العام 1917، وعدًا لإقامة وطن صهيوني على أرض عربية إسلامية، هي فلسطين، فإن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وبعد نحو قرن من الزمان، يكمل الطريق، لتصفية القضية الفلسطينية، بدم بارد، من خلال ممارسات سياسية وخطط ووعود يطلقها لاستكمال ما بدأه رفيق دربه بـ»الشيطنة». فالرئيس ترامب أقر، بكل صلافة، نقل سفارة الولايات المتحدة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، في سبيل تحقيق ما يصبو إليه فيما يُعرف بـ»صفقة القرن»، ومن قبل ذلك إنهاء وتصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»؛ الشاهد الوحيد على معاناة ومأساة الفلسطينيين، الذين تم تهجيرهم ترهيبًا وترغيبًا من أراضيهم. لا يشك اثنان أو أي عاقل، بأن خطة ترامب، المعروفة بـ»صفقة القرن»، هي استكمال بطريقة أو أخرى لإضاعة الحق الفلسطيني، أو إطلاق آخر الرصاصات عليه، لا سيما حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وكذلك القدس، بما تتضمنه من مقدسات إسلامية ومسيحية، ويتزامن كل ذلك مع قرارات الضم التي تنوي إسرائيل تنفيذها في الأيام المقبلة. وللأسف، يتزامن كل ذلك مع انقسامات فلسطينية داخلية، مع أن الهدف الظاهر لفلسطينيي الداخل، هو تحرير أرضهم وزوال الاحتلال الصهيوني، الذي هو الاحتلال الوحيد حاليًا في العالم أجمع. كم يتزامن مع تراخ عربي غير مسبوق نتسابق فيه لتحقيق التطبيع مع عدو سمته الأساسية والظاهرة للجميع، بفعل التجارب على أرض الواقع، هو الغدر ونقض العهود والمعاهدات والاتفاقيات، والتصريح علنًا، ليلًا نهارًا، بأن له أطماعا في الكثير من الأراضي العربية. وللأسف كذلك، فإن ذكرى «وعد بلفور المشؤوم»، تتزامن أيضًا، مع نسيان «مبادرة السلام العربية»، رغم أننا كعرب تبنينا هذه المبادرة، وحاربنا من أجل أن يقبل فيها بني صهيون، الذين لم يكتفوا باحتلال فلسطين العربية، بل أسرفوا أشد الإسراف، في قتل وتدمير الشعب الفلسطيني، غير آبهين برضيع أو طفل أو شيخ كبير أو امرأة أو بنت في مقتبل عمرها، ضاربين بعرض الحائط قرارات مجلس الأمن الدولي، وكذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة. إذا بقي العرب، ينتظرون بريطانيا بأن تقدم لهم اعتذارا عن «وعد»، قدمته لراعية الإرهاب الأول في العالم (إسرائيل)، فإنهم ليس فقط واهمين، بل هم أكثر من منهزمين، فبريطانيا لن تُقدم على مثل هذه الخطوة، كما فعل الألمان في كذبة ما يُسمى «الهولوكوست». إذا بقي حال العرب كذلك، فإن الفلسطينيين سيبقون يتعرضون لأشد أنواع التنكيل والقتل والتعذيب وتدمير الأرض والبشر.. ولا نُبالغ إذا ما قلنا عملية تهجير واسعة جديدة، لن يسلم منها الكثير، لا بل قد تتعرض بعض الدول العربية إلى تغيرات ديموغرافية سياسية جغرافية، سيكتوي بنتائجها السلبية، الجيل المقبل أو ما بعده. العرب يحلمون، ومن قبلهم الفلسطينيون، إذا كانوا يشكون للحظة واحدة بأن المؤامرة الاستعمارية بدأت تستكمل خطواتها، من خلال تحالف صهيوني أميركي، ستكون النتيجة حتمًا التنازل عما تبقى من فلسطين، وحقوق شعبه المشروعة، والمسلوبة أصلًا، خصوصًا أن الأرض مهيأة الآن لمثل ذلك.اضافة اعلان