غذاؤنا في السياسات المالية

قرار الحكومة خفض ضريبة المبيعات على بعض المواد الغذائية، والوصول ببعضها إلى الصفر أو إلغاءها عن البعض الآخر، خطوة إيجابية مهمة تحسب لها، حتى وإن جاءت متأخرة. فهو قرار اقتصادي سياسي بامتياز، يصطف في جانب غالبية المواطنين من الفئتين المتوسطة والفقيرة، بل ويكتسب أهمية إضافية لما يفترض أنه يؤسس لتوجه اجتماعي مطلوب في سياسات الحكومة، ومرغوب أن يتوسع في المستقبل ويصبح أكثر رسوخاً.اضافة اعلان
تأخر الحكومة عن قرار سياسي اجتماعي استراتيجي كهذا يعود لضعف شاب أداءها لعقود خلت، ولغياب السياسات المالية والاجتماعية الهادفة عن إدارتها المالية. فلم تكن هناك سياسة جمركية واضحة ومحددة، بخاصة ما يتعلق منها بنسب الرسوم الجمركية وضريبة المبيعات. تماماً مثلما هي سياساتها بالنسبة لضريبة الدخل التي استمرت حتى اليوم غير عادلة وغير تصاعدية، وتعاني من قصور في جانب التحصيل.
يفترض في السياسات المالية، بخاصة في الدول النامية، أن تأخذ بالاعتبار تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية، من بينها توفير الغذاء بأسعار مناسبة لغالبية المستهلكين، بحيث تصبح هذه الأهداف هي التي تحدد وضع رسم جمركي على سلعة ما، ورسم مختلف على سلعة أخرى أو إعفاءها من الرسوم. وكذلك الحال بالنسبة لضريبة المبيعات؛ فعندما تصبح سياسات الحكومة المالية بلا أهداف اقتصادية واجتماعية، تكون قد تخلت عن واحد من أهم واجباتها في توفير الحياة الكريمة لشريحة واسعة من المواطنين الفقراء ومحدودي الدخل.  عندما توفرت الإرادة لدى الحكومة لتصويب مسار السياسات المالية لخدمة أهداف اقتصادية اجتماعية، استطاعت أن تفعل ذلك حتى في ظل عجز الموازنة بقرارها المتوازن الذي خفض ضريبة المبيعات على المواد الغذائية ورفعها عن مواد كمالية، ما أعفى الموازنة من تكلفة الخفض. فمثل هذا التوجه وغيره مما يصب في مصلحة أوسع شرائح المجتمع، هو ما نعتقد أن على الحكومة أن تتبعه في سياساتها المالية دائماً.
توفر الرؤية والإرادة كفيل بتصويب خط سير السياسات لأجل خدمة أوسع الفئات الاجتماعية وأكثرها احتياجاً. ومواصلة السير في هذا الاتجاه تؤدي إلى مزيد من التدقيق على القرارات التي تمليها هذه السياسات لتجنب أخطاء مثل تلك التي شابت  قرار الحكومة الأخير بخصوص تخفيض ضريبة المبيعات على السلع الغذائية، ومنها أخطاء غير مقصودة مثل إعفاء أنواع الأسماك مرتفعة الأسعار التي يستهلكها الأغنياء من الضريبة وإبقائها على النوع الأرخص سعراً الذي تستهلكه الفئات الفقيرة، وأخطاء بسبب نقص الدراسة مثل عدم إلغاء ضريبة المبيعات على بيض المائدة رغم أنه أرخص الأغذية البروتينية على الإطلاق وأكثرها استهلاكاً من قبل الفئات الفقيرة.
ماذا كان يضير الحكومة لو دأبت على تخفيض نسب الرسوم الجمركية والضريبة على كافة السلع الغذائية الأساسية، وتلك التي تستهلكها الفئات محدودة الدخل والفقيرة؟ فهي تستطيع تطبيق سياسات كهذه وفق آليات عادلة ومتوازنة، تحمّل بموجبها الفئات الأعلى دخلاً نسبة أعلى من الضرائب والرسوم لصالح محدودي الدخل والفقراء من دون أن تتحمل الخزينة ثمناً لذلك. ويقودنا ذلك تلقائياً للتفكير بموضوع الدعم للسلع الأساسية، مثل الخبز الذي ما يزال يستفيد منه من لا يستحقونه من أصحاب الدخول العالية بسبب عدم اتباع آلية مناسبة للدعم توفره لذوي الدخل المحدود، وتحجبه عن غيرهم ممن لا يستحقونه. ومن بين هؤلاء بعض أصحاب المخابز الذين يبيعون جزءاً من مخصصاتهم من الطحين المدعوم لمربي الدواجن الذين يستخدمونه علفاً رخيصاً في مزارعهم بدلا من الذرة الصفراء.