غرايبة.. "من الدعوة إلى السياسة"

الزميل والصديق إبراهيم غرايبة، الكاتب في صحيفة الغد، والباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، هو أحد أهم الباحثين والخبراء المتميزين عربياً في موضوع الإسلام السياسي، بخاصة جماعة الإخوان المسلمين، ليس على صعيد الأردن فحسب، بل حتى عربياً، ويندر أن تجد باحثاً يمتلك مستوى الإدراك والفهم والرؤية النقدية التي تجدها لدى غرايبة في موضوع "الإخوان".اضافة اعلان
في كتابه الجديد "من الدعوة إلى السياسة: الإخوان المسلمون في الأردن: تاريخهم وأفكارهم"، يقدّم غرايبة وجبة دسمة معرفياً وفكرياً ونقدياً لتاريخ جماعة الإخوان المسلمين في الأردن والتحولات التي مرّت بها الجماعة، والمناظرات الداخلية، وعلاقتها بالنظام، والآفاق المستقبلية.
غرايبة هو مرجع شامل لتاريخ الإخوان المسلمين ومفاهيمهم وتجربتهم، وكتابه الجديد يغوص في العمق كثيراً وراء الأحداث والتطورات ليفكك المشكلات والإشكاليات، ويفسّر التحولات والتطورات المختلفة، ما يعطي كتاباته وتحليلاته نكهة خاصة فريدة، فهو لا يكتفي بالسرد التاريخي والرصد الدقيق، إنّما يقوم بدور الخبير المحلل للعلل والأزمات والإشكاليات.
كنتُ أتناقش معه أمس عن حادثة محاولة اغتيال عبد الناصر في 1954، التي عرضها مسلسل الجماعة قبل يومين، وكانت أقرب إلى المسرحية المفبركة، فتفاجأت به يقدّم إطاراً تحليلياً متكاملاً للقصة، ويتجاوزها إلى وقائع أخرى أغلبها غير منشور سابقاً، للجدل الذي دار في أوساط الإخوان حينها، ويقدم رواية مغايرة تماماً للمسلسل، وأُفضّل أن أترك هذه المعلومات الثرية له، لعله يناقشها في مقال مخصص في "الغد".
ما يملكه غرايبة من معرفة وإدراك لجماعة الإخوان المسلمين، وما يقدّمه في هذا الكتاب الجديد يتجاوز كثيراً من الكتب، التي شغلت اهتمام النخبة السياسية الأردنية والمثقفين الأردنيين، وأصبحت حديث المجال قبل فترة، وأقصد هنا كتابي ثروت الخرباوي ""سرّ المعبد" و"قلب الإخوان" اللذين توافرا على معلومات ومعطيات مهمة. ليس وارداً هنا أبداً المقارنة بين الاثنين (غرايبة والخرباوي)، فهنالك اختلاف كبير في أسباب الكتابة ومستوى الفكر. لكن المقصود الإشارة إلى أهمية ما يكتبه غرايبة وعدم الاكتراث به محلياً، حتى أنّني لم أجد أي ندوة أو جلسات متخصصة لمناقشة الكتاب، ولو على صعيد النقد والتحليل والتقييم، ولا حفلاً لإطلاقه!
بالعودة إلى الكتاب، فإنّ إحدى أهم القضايا فيه، ويلخّصها عنوان الكتاب، هي إشكالية الدعوي والسياسي في مسار الإخوان وتطوراتهم، والفكرة التي ينحتها المؤلف تتمثّل في أنّ الجماعة تأسست منذ البداية على قاعدة العمل الدعوي والخيري العام، لكنّها تحولت مع مرور الوقت، وبسبب الظروف المحيطة إقليمياً ومحلياً إلى العمل السياسي، ما خلق تشوّهات كبيرة في خطاب الجماعة وسلوكها من جهة، وفي الإرباك الذي حدث في علاقتها مع المجتمع والدولة من جهةٍ أخرى.
     يتتبع إبراهم هذه الإشكالية من خلال مسار تحولات الجماعة، وما نجم عنها من اتجاهات داخلية وأدوار متناقضة للجماعة في الأردن، فأصبحت تقوم بأدوار سياسية لكن بمضمون دعوي ووعظي، وببنية اجتماعية وثقافية، ليست حزبية، وغير مؤهلة للعمل العام الذي يقوم على مفاهيم وديناميكيات مختلفة عن منطق عمل الجماعة ومنظورها.
     لا يكتفي إبراهيم بتتبع هذه الإشكالية (الدعوي والسياسي) ودلالاتها وتداعياتها، بل يناقش موضوع تصويب أوضاع الجماعة القانونية الذي قامت به الدولة مؤخراً وتأثيره على مستقبل الجماعة، ويرى أنه فرصة مهمة للجماعة للتحرر من قيود عديدة والتفكير في المستقبل.
     الكتاب مرجع مهم وثري لمن أراد أن يفهم بصورة أفضل تاريخ الجماعة وتحولاتها ومشهدها الداخلي وعلاقتها بالمجتمع والدولة.