غرقت عمان

غرقت عمان خلال شتوة لم تتجاوز 45 دقيقة كما وصفت ما حدث جريدة "الغد"، وسواء أعجب هذا الكلام أمين عمان عقل بلتاجي أو اختلف بالتوصيف، فإن الوقائع تقول إن سيولاً جارفة أخذت بطريقها سيارات في بعض المناطق، واقتحمت البيوت، وحولت الأنفاق الى بحيرات للغطس.اضافة اعلان
حدث ما حدث، وأول ما نبدأ به مواساة أهالي الضحايا، وثاني الخطوات أن نعوّض المتضررين، وآخر خطوة وأهمها أن نشكل لجنة تحقيق مستقلة وذات صدقية لتشخيص ما حدث، ولتطبيق مبدأ المساءلة لمن أخطأ أو قصّر، بالإضافة إلى وضع تصور لآلية التعامل مع هكذا ظروف جوية استثنائية حتى لا يتكرر نفس السيناريو؟!
وبمراجعة ما حدث، ومتابعة وقراءة ما يكتبه الناس والفيديوهات المنشورة، فإنني أنصح المسؤولين أن يتابعوا بدقة نبض الشارع قبل أن يتحدثوا ويغردوا خارج السرب بكلمات تجرح مشاعر الناس، أعلم يقيناً أن من يعمل يخطئ ويصيب، وأنّ رضى الناس غاية لا تدرك، ولكن لا يعقل أن يرد مسؤول أردني على سقوط ضحايا بالقول "ولماذا يسكنون في الطابق الأرضي"؟.
الناس تبكي ألماً على طفل يموت غرقاً، وبعض المسؤولين يعاير الفقراء بأنهم يقيمون في بيوت ليست مؤهلة لحياة كريمة، وعلى ما يبدو فإن هؤلاء لم يشاهدوا بطولة الشباب الذين أصروا على خلع حماية الشباك الحديد حتى ينقذوا أسرة كاملة حاصرتها مياه الأمطار، وهؤلاء لم يشاهدوا رجال السير يعملون بكد وفتح مناهل تصريف المياه بأيديهم العارية ليسهموا في حل مشكلة لم يصنعوها؟!
ثقافة الرقابة والمساءلة المجتمعية ظاهرة وسلوك يعزز الديمقراطية والإصلاح، وفي زمن وسائل التواصل الاجتماعي لا مهرب ولا مخرج من انصياع الحكومات لهذا التحدي، مع مراعاة أن سلطة "السوشيال ميديا" قد تتهم وتدين دون أدلة ثابتة، والمطلوب من الدولة الاهتمام بتوجهات الناس وترجمتها الى سياسات منضبطة تحقق الإنصاف والعدالة، ولا تقدم "كبش فداء" حتى تسكت الناس ويفلت من يتسبب في الكارثة من المسؤولية والعقاب.
ولذلك؛ فأنا مع عمدة عمان عقل بلتاجي بتشكيل لجنة متخصصة ومستقلة تضم اللجنة العلمية الملكية ومؤسسات مستقلة بيئية وهندسية وخبراء لتحديد إن كان هناك تقصير تسبب في غرق عمان أم أن الأمر كارثة طبيعية لم يكن بالإمكان تداركها؟
الحكومة مسؤولة عما حدث بحكم ولايتها العامة، وأمين عمان مسؤول بحكم أنه عمدة عمان، ولكن إطلاق الأحكام وحده لا يكفي؟
لا أذكر متى أنشئت شبكة صرف مياه الأمطار في عمان، ربما في السبعينيات من القرن الماضي، هل تم مراعاة التوسع العمراني المذهل لعمان، هل وضع المصممون في حساباتهم هذا الهطول المطري غير المسبوق خلال زمن قصير جداً؟
باعتقادي أن شبكة تصريف مياه الأمطار تقادمت وهو ما يؤكد عليه أمين عمان، ولكن يقيني أنها لم تصمم قبل عقود بشكل يؤهلها لاستيعاب التغيرات التي عاشتها عمان، وهنا أتذكر أنفاق الصرف في مدن مثل لندن ونيويورك والتي تعتبر مدناً تحت الأرض صممت للتعامل مع المستقبل البعيد جداً.
وهذا الوضع يثير سؤالاً مفصلياً هل نملك الإمكانات المالية لنوسع شبكة تصريف الأمطار، وكم كلفتها المالية، وهل تعتبر أولوية لمواجهة استثناء يحدث مرة كل سنة؟
المهندس علي حتر وهو متخصص في مياه الأمطار أجاب على صفحته على "الفيسبوك" "بأن الأمطار التي هطلت تساوي 12 % مما يسقط في كل الموسم المطري، وحتى لو حدث هذا مع بلدية موسكو أو شيكاغو فإنهما لن يستطيعا التعامل مع هذه الظروف".
بلتاجي وفي مقابلة مع برنامج "ستون دقيقة" على التلفزيون الأردني أثار موضوع الأبنية المخالفة في تسوية العمارات، وعادة ما تكون مخصصة للحراس، وجمعية المستثمرين في قطاع الإسكان ردوا على ذلك بالإشارة إلى طلبهم من الأمانة أن تسمح بتخصيص غرفة على السطح للحراس ورفضت، ولو قبلت حسب قولهم لكان الوضع أفضل ولشجع الأردنيين على القبول بالعمل كحراس.
الشتاء في أول أيامه، والناس أصبحت خائفة ولا تثق بكلام ووعود المسؤولين بأن الأمور تحت السيطرة، ويخشون أن يكونوا أول الضحايا دون أن يكترث بهم أو يعوضهم أحد.