غرّد كأنّكَ الثورة

ثورة في الشرق، والشمال الشرقيّ. ثورة في الغرب، والشمال الغربيّ، وفي جنوب الجنوب ثورة ضدّ القائم والمكرّس وقانون نيوتن الأول!
ثورة على سبعين عاماً من “الضرورات”، والخوف من “الفراغ” وانتظار مرور “المرحلة الحرجة”، ثورة على “المنعطف التاريخي” و”التعاون العربي المشترك” لقمع الحريّة!
من الماء الساخن إلى الماء القابل للاشتعال، ومن الكثبان الرمليّة إلى الهضبة والجبل، ثورة ضدّ “البيادة” والنظارات السوداء.. وما بعد الطرابيش والعمائم.
الأطفال ثائرون، والشباب ثائرون، من الخرطوم إلى عكّار ومن بيروت إلى سيدي بوزيد ومن كربلاء إلى عنّابة: “ثورة حتى النصر”.
.. والشيّابُ ثائرون، أولئك الذين ولدوا والمستعمر يحمل عصاه على كاهله، ويرحل، وظلّوا سبعة عقود لا يعرفون عن الثورات سوى “البيان الأول”!
اليوم مسيرة وغداً عصيان، لن ينامَ الشارع، ولن يُطفأ ضوء الخيمة، ولن يسكت صوت ماجدة الرّومي في المسجّلة: “سيدي الرئيس”.
“صفعت الشرطيةُ البائعَ الجوال” عبارة سترد في منهاج السادس الابتدائي بعد مائة عام.. وإعرابها: “البائعُ” فاعل مرفوع وعلامة رفعه الثورة.
لكلّ ثورة.. ثورة مضادّة يقوم بها من أكملوا تعليمهم، ومن لم يكملوا تعليمهم. القارئون والأميون، التجار والمثقفون وبائعو الكتب وأشياء لا تُشترى.
كيف تؤيد ثورة وتقف ضد ثورة أخرى؟ كيف يمكن أن تكون مع إنسان.. وضدّ إنسان آخر. قل معي: “حريّة من أم الدرمان إلى النبطيّة”.
يهدّدُ المذيع الثوّار بالسجون القديمة. يصرخُ في المشاهدين مثل مدير مدرسيٍّ، وزوجة أبٍ، يفقد شعيرات من أعصابه، يرعدُ ويزبدُ.. ولا ينام إلا بالحبوب المهدّئة المستوردة.
الإسلاميون يريدون الثورة لمرة واحدة فقط، والشيوعيون لا يريدون سوى “الثورة الإسلامية في إيران”. أنت إذن لست بحاجة إلى عمامة أو قبّعة غيفارا لتكون ثائرا.
أربعة أعوام. ثمانية إن كان دعاء أمّك مستجابا، ثم ستجلس في بيتك العاديّ، ولك مطلق الحرية أن تفاضل بين الفاصولياء واللوبياء على الغداء.
ستقفُ على طابور الخبز البلديّ، وتنتظرُ دوركَ البعيد من أجل دجاج “الجمعيّة”، وتتذمّر من مخالفة مروريّة كيديّة، ولا تملك من نفوذك إلاّ “الحسبنة”!
لا تظنّ أنكَ كسرتَ الثورة بالسلاح الحرام والمحرّم، وبالجنود المستوردين من جهات الأرض.. صحيحٌ أنّ عشرة أعوام ستمرُّ، وربّما تمرُّ عشرة أخرى، لكنّ الثورة لا تُهزم إلا بعد أن تنتصر!

اضافة اعلان