غزة تكشف عورات المسؤولين في العالم

أثبتت ملحمة غزة العظمى أن قضية فلسطين ما تزال حية، وأنها القضية الأولى الأعظم والأعدل في العالم التي تنتظر حلاً عادلاً لينعم بالسلام. كما أثبتت ان مجمل شعوب العالم تعي عدالة هذه القضية، وأن مجمل حكام العالم، وبخاصة في أميركا وأوروبا الذين تباروا في توكيد حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها، وامتناع هذا الحق عن الشعب الفلسطيني أعداء لها وللمبادئ التي يرفعون، مثل الحرية، والعدل، والمساواة، وحقوق الإنسان، وكأنهم يتمسكون بدور أجدادهم الذين خلقوا المسألة اليهودية، وتخلصوا منها بإلقاء اليهود في فلسطين. أما الحرب الإسرائيلية الهمجية كما رآها العالم بالصوت والصورة في قطاع غزة، فقد ذكّرت أهل التوراة أو العهد القديم، يغزو أجدادهم – بني إسرائيل – لفلسطين، واعتمادهم المذابح لتصفية شعبها. لقد دمروا أريحا بشراً وحيواناً وشجراً وحجراً، وواصلوا ذلك في بقية مدن وقرى فلسطين كما يفيد العهد القديم، وأن أحفادهم الحاليين يكررون ثانية المنهج نفسه ضد أحفاد الشعب الفلسطيني الكنعاني. لقد أدت ملحمة غزة العظمى – أياً كان موقفك منها– إلى نتائج كانت غير متوقعة، ومنها: زعزعة الرواية الصهيونية الإسرائيلية أن فلسطين أرض الميعاد وأنها ملكهم التاريخي المتواتر، وأنهم استعادوها. لقد تبين لمجمل الشعوب أن هذا الادعاء أكذوبة كبيرة ، وإلا ما قاومهم شعبها الفلسطيني أكثر من قرن إلى اليوم. اتهام إسرائيل بالتمييز العنصري (Apartheid) الذي صدر عن منظمة هيومان رايتس ووتش «الأميركية» وبأقوى العبارات واعلى صوات وهو اتهام لم يكن ليجرؤ عليه أحد سابقاً في الغرب وهو اتهام له ما بعده، لأنه سيكبر مثل كرة الثلج المتدحرجة. خروج مئات – وبعضهم يقول آلاف – المظاهرات الغاضبة ضد إسرائيل في العالم، وبخاصة في الغرب شارك فيها الناس من مختلف المنابت والأصول والأديان والمذاهب، وحتى يهود. وهو حدث غير مسبوق. انفتاح وسائل الإعلام في العالم للرواية الفلسطينية وهو حدث غير مسبوق. من مثل وضع جريدة نيويورك تايمز الأميركية صور جميع الأطفال الذين قتلتهم إسرائيل في قطاع غزة على صدر صفحتها الأولى. وانفتاح مماثل لوسائط التواصل الاجتماعي لها أيضاً حيث بثت فيها آلاف الرسائل والبوستات والتغريدات ضد إسرائيل. لقد قام أكثر من ألف موظف/ة في شركة ابل بتوقيع بيان يطالبون فيها الشركة بتأييد فلسطين. وكذلك فعل المئات في جوجل مطالبينها بوقف استثماراتها في إسرائيل. اعتراف مجمل اليهود والإعلام والخبراء في إسرائيل بفشل إسرائيل في تحقيق أي من أهدافها – غير التدمير والقتل- بحربها على غزة، وان موافقتها أو توسلها لوقف الحرب دون شروط دليل عليه. تهدف إسرائيل من استئناف القمع والاضطهاد والتهجير والاستيطان بعد وقف الحرب إلى استرجاع الشعور بالقوة والأمن عند اليهود. ولكنه يسرّع في تدهورها نحو الهاوية لأنه نسخة طبق الأصل عما كان يفعله البيض في جنوب أفريقيا ضد السكان الأصليين السود فيها. وللأسف ان أحداً من المتدخلين في القضية لم يطالب برفع الحصار والقيود عن غزة مما سيؤدي إلى جولات أخرى من الحرب والتدمير والتصفيات الجسدية. إن الوضع الغزي على الرغم من التصدي القوي لإسرائيل هو أقسى وضع في العالم، لقد كشفت غزة عورات المسؤولين في العالم. لو لم تظهر منظمات الإرهاب الإسلامية العربية على المسرح الدولي لما وجدت إسرائيل سبيلاً لخداع الغرب أنها خط الدفاع الأول عنه. وأخيراً أخشى ان يساء فهمي ويُشّوه موقفي، مما سأقوله تالياً مع انني لا أقصد سوى التفسير والتحليل، ومع هذا سأذكّر الجميع أنه لولا استغلال مصر لاتفاقيتها مع إسرائيل للضغط عليها، وإسرائيل للاتصال بمصر لوقف القتال من خلالها، لما انتهى الأمر هكذا.. ان هذا يحدث مع أن الشعب المصري يرفض الاتفاقية ويرفض التطبيع ولا أحد يجبره على غير ذلك. ويستغل الأردن كذلك اتفاقيته مع إسرائيل للضغط على إسرائيل، وللدفاع عن المقدسات، ولتقديم الخدمة الطبية الواسعة لفلسطين في الضفة وقطاع غزة. إن هذا يحدث مع أن الشعب الأردني يرفض الاتفاقية ويرفض التطبيع، ولا أحد يجبره على غير ذلك. ان لكل اتفاقية حدين أو وجهين، وقد استعملت كل من مصر والأردن الوجه الآخر لها في الضغط على العدو. لولاهما أي لولا الاتفاقيتين لقامت إسرائيل بتهجير فلسطينيي قطاع غزة إلى سيناء، وفلسطينيي الضفة إلى الأردن كما كانت تفعل إبان حالة الحرب التي كانت بينهما. لا يعني هذا أو ذاك أنه مبرر لبقية العرب أن يطبعوا وأن يعترفوا. إن عليهم الوقوف خلف الدول الأمامية أو دول الواجهة حتى النهاية للوصول بالقضية إلى نهاية عادلة.اضافة اعلان