غزة: حكم بلا حكومة.. وحكومة بلا حكم

كان منتقداً وغريباً تأخر حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية، برئاسة رامي الحمدالله، في الذهاب لإصلاح شؤون قطاع غزة. ويمكن الإقرار بأنّ هناك مواقف غير مفهومة، من نوع تأجيل الإطار القيادي الموسع لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأمور أخرى. لكن ما هو غير مفهوم وغريب جداً أيضاً، ما تقوم به حركة "حماس" في قطاع غزة هذه الأيام؛ من فرض ضرائب "غريبة" وفق خطاب "غريب"، ومنع وزراء الحكومة من الحركة ومن اللقاء بالناس والموظفين، وإخضاعهم (الوزراء) لما يشبه الإقامة الجبرية.اضافة اعلان
ثلاث خطوات قامت بها "حماس" بشكل متزامن تقريباً هذا الأسبوع، تلت تصريحات محمود الزهار الأسبوع الماضي عن إقامة "سلطة وطنية أو حكم ذاتي أو إدارة مدنية" من دون التخلي عن باقي فلسطين. وأول ما قامت به الحركة يتعلق بالأسرى، ومواصلة التصريحات المتحدية للإسرائيليين، وذلك عقب تصريحات أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب عزالدين القسام، الموجهة للأسرى: "انتظروا القول الفصل من إخوانكم في القسام، الذين لم يخذلوكم ولن يخذلوكم". وهذه التصريحات، بشكل عام، تريح قطاعات مهمة من الشعب الفلسطيني.
إنّ نتائج حرب غزة العام الماضي، والتي لم تصل لا إلى فك الحصار على القطاع، ولا إلى مكاسب من أي نوع، هي أمر لا يمكن تحميل حركة "حماس" وحدها مسؤوليته. ويبقى موضوع الأسرى أساسياً للشعب الفلسطيني، وستبقى قطاعات الشعب بانتظار هذا الملف، وما في جعبة "القسام" بشأنه. لكن في موضوعين آخرين، يبدو الأمر بحاجة إلى وقفة متأنية، وخصوصاً موضوع الضرائب، ثم موضوع الوزراء ومنعهم من العمل في القطاع.
في موضوع الضرائب، فإنّ موقف "حماس" الموثق بتسجيلات متلفزة، يقوم على إعطاء نواب "حماس" أنفسهم، حصراً وفي غزة فقط، صلاحية فرض ضرائب على سلع قالوا إنها كمالية. وأول ما يثير الاستهجان اعتبار الفواكه واللحوم كماليات تستحق ضرائب عالية. والقانون الحمساوي المسمى "قانون التكافل الاجتماعي" محدد بالدرجة الأولى لخدمة الموظفين الذي عينتهم "حماس" منذ توليها الحكومة، باعتبار أنّهم لم يتلقوا رواتب منذ مدة طويلة، بدأت بأشهر قبل تولي الحكومة الحالية برئاسة رامي الحمدالله مسؤولياتها واستمرت بعد ذلك. وما لا يبدو أنّ قيادة "حماس"، وتحديداً التي تقرر إيقاع الحدث في قطاع غزة، تدركه، هو أنّ فرض "الأحكام" (ولا يمكن القول إنّها قوانين، لأنها ليست جهة مخولة بالتشريع) يجعلها تبدو كمن يريد إنقاذ "جماعتها" التي عينتها؛ فلا تكون كمن ورطهم. وبهذا تحول نفسها إلى حزب جماعة أو "طبقة". وثالث الغرائب، تصريح النائب جمال نصّار، الذي كُلف من الحركة بتبرير "القرار" في لقاء مفتوح مع التجّار الغاضبين، بقوله إنّ غضبهم غير مبرر، "ولا واحد فيكو (منكم) متضرر، المتضرر هو المواطن". وهنا يكون نصّار صادقا مرتين، ولكنه صدق مُرّ. الأولى، أنّه عندما اتُخِذ القرار فإنّ الحركة لم تتوقع أن يتحمل التجار (الذين هم تقليديا من القاعدة الداعمة لحماس) العبء. والثانية، أنّ المواطن غير المنتمي لأي جماعة، هو الذي سيتحمل العبء. ولكن عدا مشكلة تحميل المواطن العبء، فإنّ السؤال: إلى متى سيتحمل الغزيون؟ بالطبع، ستحمّل "حماس" حكومة الوفاق أي تبعات للقرار!
يبدو أن حضور وزراء الحكومة إلى غزة من رام الله، الاثنين الماضي، قد أغضب "حماس"، لأنّها تريد أن تكون أي زيارة أو تحرك أو خطة، بموافقتها سلفاً، على اعتبار أنّ هذا من حقوقها بموجب اتفاق حكومة التوافق. ولذلك، مُنع الوزراء عمليا من مغادرة الفندق أو استقبال أحد، وتحديداً فيما يختص بمهمتهم الأساسية: تكوين سجلات عن واقع الموظفين القدامى، تمهيداً لحل مشكلة "الجميع". ولم تُجدِ تأكيدات رئيس الحكومة الحمدالله أنهم "لن يتركوا أحدا من الموظفين في "الشارع"، بما يشكل ضمانة للموظفين الذين عينتهم "حماس".
ما يجري هو عدم نضج الحياة السياسية الفلسطينية، وعدم القدرة على تجاوز "الصفرية" في العلاقات. ولكن الربط بين فكرة "الإدارة المدنية" عند الزّهار، والأنباء عن المفاوضات بين "حماس" وإسرائيل عبر السويسريين، ثم قرارات الضرائب من قبل "حماس، ثم منع الوزراء من العمل والتشدد بشأن كل التفاصيل في عملهم، هو أمر مقلق بأنّه لا نية بعد لتسهيل اتفاق ومصالحة.