غزة: "داعش" أم إسرائيل؟!

لا يملك أشد داعمي نظام الأسد، إنكار الطبيعة الاستبدادية الفاسدة لهذا النظام، في عهد الأب والابن على حد سواء. لكن في تبرير هذا الدعم؛ صمتاً مطبقاً على التنكيل بالشعب السوري على امتداد عقود قبل الثورة، ثم بالتأييد العلني لجرائم النظام بحق السوريين، قتلاً واعتقالا وتهجيراً، منذ ما يزيد على أربع سنوات، يتم التذرع بأولوية القضية الفلسطينية تحت شعار "المقاومة والممانعة". وهي الذريعة ذاتها التي بررت وتبرر لدى هؤلاء أيضاً المذابح الإيرانية الطائفية في العراق، منذ الاحتلال الأميركي في العام 2003 وحتى اللحظة.اضافة اعلان
إزاء ذلك، يفترض أن يبدو غريباً ادعاء أن تراجع بل واختفاء كل أشكال الدعم لفلسطين، حتى باحتفاليات لا تسمن ولا تغني من جوع، سببه الاختلاف مع قوى وأنظمة سياسية بشأن ما يحدث في سورية (ومصر)! فليس من معنى لذلك إلا (حقيقة) أن بشار الأسد ونظامه هما الغاية القصوى، فيما فلسطين هي محض أداة وغطاء لحمايتهما وتبرير جرائمهما.
وإذا كان الغاية هي فلسطين حقاً، بما يجيز إهدار العروبة نفسها، كما حصل في العراق، وأكثر من ذلك إفناء شعوب وتدمير دول، كما يحصل في سورية والعراق أيضاً، فإن السؤال البدهي يكون: لماذا الصمت على حصار غزة إسرائيلياً (وعربياً)، عقب حرب إسرائيلية هي الأقسى شهدها القطاع قبل عام، في 8 تموز (يوليو) 2014؟ ألا تستحق حركة حماس القابضة على الحكم في غزة، وإن كانت "إسلامية"، شيئاً قليلاً من التنازلات المقدمة لإيران والأسد؛ لاسيما وأن الحركة قدمت فعلاً شهداء ومعتقلين على امتداد سنوات وجودها، فلم تكتف بمحض الشعارات التي أعفت "المقاومة والممانعة" المزعومة عناء إطلاق رصاصة واحدة باتجاه دولة الاحتلال؟
لكن بعيداً عن الذرائع، يفرض قطاع غزة اليوم، تحدياً حقيقياً غير منظور برغم خطورته الهائلة، يلخصه تقرير صدر عن معهد "بروكنغز" الأميركي، في 4 آب (أغسطس) الماضي، في خضم العدوان الإسرائيلي الأخير "الجرف الصامد"، أو "العصف المأكول وفق تسمية "حماس".
فبحسب التقرير الذي يرصد الواقع المأساوي للتعليم تحديداً في القطاع، قبل حرب 2014 وبما يزيده أهمية، أدى الحصار إلى "خنق النظام التعليمي" بمنع دخول مواد البناء للمدارس (التي قدر عدد الضروري منها يومها بـ250 مدرسة جديدة) والكتب وأقلام الرصاص. كما أن "غالبية الطلبة" كانوا يعانون من فقر الدم.
فوق ذلك، وبحسب دراسة صادرة عن منظمة "اليونسكو"، فقد أفاد 76.8 % من أساتذة المدارس الأساسية والثانوية في القطاع عقب العدوان الإسرائيلي "الرصاص المصبوب"، في العام 2008/ 2009، أن طلبتهم يظهرون "أغلب الوقت" أو "دائماً" أداء أضعف مقارنة بالفترة السابقة للحرب. كما كان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أكد وجود أكثر من 320 ألف طفل يحتاجون، وقتها فقط، دعماً نفسياً مباشراً ومتخصصاً.
الآن يمكن ربط ذلك بالهاجس الأساسي عربياً كما عالمياً؛ تنظيم "داعش"، من حقيقة أن حروب الغد ليس يخوضها إلا أطفال اليوم. أليست هذه هي البيئة المثالية للتنظيم الذي بدأ يُطل برأسه في القطاع؟! وفي حال نجح في ذلك، وهو ما تتمناه إسرائيل حتماً، ألن يكون الخيار، حتى لدى المقاومين الممانعين، هو إما تأييد "داعش" أو تأييد إسرائيل التي تتصدى للتنظيم الإرهابي في غزة؟!