غزة كانت تتطلع إلى الانتخابات، لكن الناخبين يشعرون الآن بالخذلان

شابان فلسطينيان يمارسان ألعاب الفيديو في مقهى في بيت لاهيا شمال غزة - (أرشيفية)
شابان فلسطينيان يمارسان ألعاب الفيديو في مقهى في بيت لاهيا شمال غزة - (أرشيفية)

وليام بوث وحازم بلوشة - (واشنطن بوست) 8/9/2016

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

مدينة غزة- لأول مرة في عقد، كان من المقرر أن يتوجه الناخبون هنا إلى صناديق الاقتراع في الشهر المقبل. وكانوا متحمسين.اضافة اعلان
ولكن، بعد قرار يوم الخميس قبل الماضي الذي قضى بتعليق الحملات الانتخابية، قال العديد إنهم يشعرون بأنهم سُلبوا. ولم يتم تحديد موعد جديد، مما أثار شعوراً عاماً بسيادة بالفوضى والشلل.
وكانت محكمة فلسطينية عليا قد قضت بوجوب تأجيل الانتخابات البلدية المقررة في الشهر المقبل بسبب نزاع بين الحزبين السياسيين المتنافسين اللذين يسيطران على الضفة الغربية وقطاع غزة. ويشكل هذا القرار انتكاسة أخرى للديمقراطية الفلسطينية.
وقالت نيرمين دبان، ربة البيت والأم البالغة من العمر 34 عاما: "أنا مستاءة جداً"، وألقت باللائمة على الفصائل الفلسطينية المتناحرة التي قالت إنها حفرت انقسامات عميقة بين غزة والضفة الغربية، متظاهرة باستمرار بأنها على استعداد للمصالحة، لكنها لا تنجزها أبدا. ومضت السيدة دبان إلى القول: "إنهم يتلاعبون بنا. إنهم مثل الأولاد الصغار الذين عندما لا يفهمون اللعبة يقومون بتدميرها".
وكانت غزة تؤيد فكرة الانتخابات تماماً. فبالنسبة للشباب، ستشكل هذه الخبرة أول تذوق لديمقراطية المشاركة في مجتمع يرونه على أنه يدار من جانب المسنين ومن جانب لجان لا تخضع للمحاسبة، وحيث البرلمان (المجلس الوطني) ليس أكثر من صدفة فارغة، وحيث القائد السياسي الفلسطيني الأكثر شعبية، مروان البرغوثي، يقضي عدة أحكام بالسجن المؤبد بسبب دوره المزعوم في ترتيب هجوم مميت ضد إسرائيليين.
كان تسجيل المقترعين في غزة قد حلق ليصل إلى أكثر من 80 ٪ من شريحة الشباب، وبمعدل أعلى بكثير من نظيره في الضفة الغربية.
ولم يهمّ المحبطين من التأجيل أن التصويت الذي تم تعليقه لم يكن يتعلق بانتخاب الرئيس الفلسطيني أو البرلمان، وإنما كان يتعلق بشغل 3.818 مقعداً في 416 مجلسا بلديا في مدن وقرى عموم الضفة الغربية وقطاع غزة. وحتى قبل بدء الحملات الرسمية، كان المواطنون في غزة منهمكين في نقاشات ساخنة حولها، وخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي.
هل هو حصاد مبكر؟ لقد أصبح من الممكن الآن السخرية من حماس التي يعتبرها العالم الخارجي منظمة إرهابية.
كان من المقرر أن تكون انتخابات تشرين الأول (أكتوبر) أول اقتراع يجري في عشرة أعوام، والذي يشهد منافسة بين الحركة الإسلامية المتشددة، حماس، التي تحكم قطاع غزة وبين منافسيها الشديدين في فتح التي تدير الضفة الغربية؛ الحزب الذي يديره رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
ووجدت مسوحات للرأي العام أن ثلثي الفلسطينيين يريدون من عباس أن يستقيل. ولدى حماس أيضاً قضايا عميقة تتعلق بالمصداقية هنا، فقد خاضت ثلاث حروب مع إسرائيل ولم تعرض الكثير سوى المزيد من الحرمان والعزلة.
لكن المحكمة الفلسطينية العليا في مدينة رام الله في الضفة الغربية قررت يوم الخميس قبل الماضي تعليق الانتخابات بعد طعونات بقرارات كان قضاة حماس قد اتخذوها لنزع الأهلية عن بعض مرشحي فتح في غزة. كما دعت المحكمة إلى التأجيل أيضاً بسبب طعن قانوني تم تقديمه نيابة عن الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس الشرقية، والذي يدافع عن حقهم في التصويت.
وتعد إسرائيل القدس الشرقية جزءاً من إسرائيل، ولن تسمح على الأغلب بتخصيص صناديق اقتراع فلسطينية هناك. ومن جهتهم، يعتبر الفلسطينيون القدس الشرقية أرضاً محتلة ويريدون أن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية.
في شوارع مدينة غزة، أعرب الناس عن خيبة أمل كبيرة. وقال نور الأطرش، المحاسب في هيئة خيرية في غزة والبالغ من العمر 27 عاماً: "أعترف بأن هذا الأمر كان أمراً متوقعاً. لم أعتقد أبداً أن الانتخابات كانت ستجري. كنت دائما أعتقد بأن شيئا ما سيوقفها". وأضاف: "فتح وحماس ليستا مهتمتين بالديمقراطية. إنهما مهتمتان بمصالحهما وحسب. إنهما لا تهتمان بالناس".
كانت الانتخابات قد وعدت بأن تكون حيوية، مع أشرطة الفيديو المتنافسة والكثير من النشاط على وسائل التواصل الاجتماعية.
في الشهر الماضي، أطلق داعمو حماس حملة لافتة في وسائل التواصل الاجتماعية، والتي اشتملت على نشر أشرطة فيديو منتجة بشكل حرفي وهاشتاغات وشعارات مثل "غزة أكثر جمالاً"، و"شكراً يا حماس". وتظهر أشرطة الفيديو التي تصاحبها أغنيات شعبية والتي صورها محترفون، بالكاميرات المركبة على عربات والطائرات من طيار، غزة مزدهرة فيها متنزهات مائية وفنادق ومراكز تسوق حديثة.
وفيما تجدر ملاحظته بقدر مماثل، شرع ناشطون وأشخاص عاديون في غزة بالشعور بما يكفي من الأمن للسخرية من حملة حماس -مشيرين إلى أن مساحات شاسعة من غزة ليست بهذا الجمال، وإنما تعج بالركام الذي نتج عن الحرب الأخيرة بين حماس وإسرائيل في صيف العام 2014.
مباشرة بعد عرض شريط "شكراً حماس"، بدأ المنتقدون في الغمز. وفي مشاركة على "فيسبوك" انتشرت بشكل فيروسي، أخضع ناشط محلي يدعى محمد غريب الشريط الدعائي للتمحيص، مشيراً إلى أن العديد من المواقع التي تعرض فيه "كإنجازات" لحماس كانت قد شيدت قبل سيطرة المجموعة على القطاع، أو أنها أنشأتها مؤسسات أعمال خاصة أو بلدان مانحة، مثل قطر. وكانت الفكرة: ما الذي بنته حماس حقاً؟
يقول شادي حمد، المدير التنفيذي لـ"سوشل بي"، وهي شركة تسويق على الإنترنت: "أصعب وظيفة بالنسبة لأي مرشح أو حزب في وسائل الإعلام الاجتماعية هي إقناع الناس، لكنها ليس مثل الإعلام السائد برسالته التي في اتجاه واحدة. هناك تغذية راجعة كبيرة على وسائل الإعلام الاجتماعي. تستطيع الفصائل السياسية الوصول إلى الناس بسهولة، لكن الوصول وحده لا يكفي".
وأظهر شريط الفيديو المؤيد لحماس بائعي ورود وأولاد يحملون بالونات -وعلى نحو ملف، لم يوجه اللوم إلى إسرائيل على كل المشاكل التي يعانون منها. وفي الحقيقة، لم يكن هناك أي إسرائيليين على الإطلاق.
ويظهر شريط فيديو معاد لحماس، والذي بُث على "يوتيوب" كرد، مليشيا حماس وهي تضرب مدنيين بالهراوات في الشوارع. وباستخدام نفس عبارة "شكراً حماس"، يظهر شريط الفيديو مدنيين جرحى وجثثاً وأمهات ثكالى -وقائد حماس إسماعيل هنية وهو يلوح بشارة النصر. وظل صانعو أفلام الفيديو مجهولين.
من جهتهم، يقول العديد من الإسرائيليين إن الانتقاد العلني في غزة قد يفضي إلى قرع الأبواب في منتصف الليل وإلى السجن أو ما هو أسوأ. وكانت حماس قد نفذت إعدامات في الشوارع لخونة مزعومين للقضية الفلسطينية بعد محاكمات سرية، وشبه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حماس بتنظيم "داعش".
تحتفظ حماس بقبضة قوية على الإعلام في غزة. ويجري إمطار الصحفيين الأجانب بوابل من الأسئلة على الحدود من جانب ضباط أمن حماس. وفي الأسبوع قبل الماضي، اعتقلت حماس صحفياً استقصائياً فلسطينياً، محمد عثمان، لمدة 24 ساعة.
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد اتهمت حماس وفتح في الشهر الماضي بالتضييق على الصحفيين والناشطين الذين ينتقدون السلطات واعتقالهم.
مع ذلك، بدا أن أفق إجراء الانتخابات قد فتح صنبور النقد بعض الشيء، خاصة على الإنترنت، وإنما حتى في الشوارع. والآن وقد تم تعليق الانتخابات فإن الآمال باستمرار هذا التعبير عن المعارضة شرع في التضاؤل.
يقول الأطرش، المحاسب: "لقد أعطتنا الانتخابات الفرصة، وفكرة أن الفلسطينيين قد يتوحدون مما قد يفضي إلى المصالحة بين الفصيلين". لكنه استدرك قائلاً: "لكن ذلك لم يحدث. أصبح الانقسام أعمق. وستكون الحياة أكثر قسوة وسيلقي كل من الطرفين باللائمة على الطرف الآخر بلا نهاية".

*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Gaza was really looking forward to elections: Now voters feel robbed