غسيل الأدمغة

لا يختلف غسيل الأدمغة الداعشي عنه لدى حركة "KKK" الأميركيّة، عنه عند الصهيوني القبيح.. فالجميع يعتمد بشكلٍ أساسيّ على خطاب الكراهية أولاً، في التنشئة الأسرية، أو في المدرسة، أو في الإعلام، أو في منابر المجتمع الأهلي والمعابد، أو فيها جميعها أو بعضها. إن كل حركة تقوم على كراهية الآخر لأنه فقط مختلف في الدين أو العرق أو الجنس أو الإقليم أو البلد أو اللون أو الطائفة أو غيرها، تلجأ لتحصين ذاتها وزيادة أعداد منتميها إلى عمليات غسيل أدمغة ممنهجة تتوجَّه إلى الأطفال أولاً، لكي تحقن عقولهم بألوانٍ من المخاوف من الآخر، الذي يغدو عدوّاً حتى لو كان يشاركهم الوطن، وبألوانٍ من احتقاره والتعالي الشوفيني عليه، وتثقفهم بالتعبيرات والأساليب التي من شأنها قهره والعدوان عليه نفسياً، أو جسدياً، أو على أملاكه، بالإضافة إلى الاستهزاء بقيمه وعقيدته وموضوع الاختلاف فيه: اللون أو الدين أو الجنس أو الإقليم... إلخ.اضافة اعلان
تتاحُ هذه العمليات لمن يملك بيده مقادير التربية للأطفال؛ فعند دولة الاحتلال الإسرائيلي مدارس عنصرية دينية متشددة تغسل أدمغة الأطفال على كراهية العرب واعتبارهم في مقام الحيوانات، والتطلع إلى إفنائهم. وفي المدارس النازيّة نُشِّئ الأطفال على تعظيم "الجنس الآري" مقابل احتقار الأمم الأخرى واليهود ومحاربتها وتدميرها. وفي مدارس الداعشية القائمة على الفكر السلفي يتغذى الأطفال على احتقار المرأة وتكفير العلمانية والحداثة والطوائف والأديان الأخرى. وكذلك الأمر في المراكز الثقافية الدينية المنغلقة. فجميعها بؤرٌ مخيفةٌ لغسيل الأدمغة، وللتنشئة على الكراهية.
وبالإضافة إلى آلية خطاب الكراهية في عملية غسيل الأدمغة، التي قد يشتركُ فيها العَلماني الحداثي (الغرب إثر حادثة 11 أيلول (سبتمبر) 2001) والمتقوقع السلفي، تُضافُ آليةٌ أخرى يستقلُّ بها السلفيّ في الأديان، وهي الترهيب والترغيب الغيبيّان؛ جنان الخلد والحور العين مقابل عذاب القبر وجحيم الآخرة. فهذه الآلية تشتغل شغلها في إعداد مهادٍ خصب للتوجيه في أي اتجاه ونحو أي هدفٍ، حتى لو كان تفجير النفس. فغسيل الدماغ يعني بالمحصّلة في هذا الإطار تغييب العقل والمنطق الإنساني، وتفعيل الغيبيات، والاشتغال على أسطورة خير الأمم والشعوب، وأفضل الناس وأفضل الأديان وأعظم العقائد وأصحها وما عداها باطل! بل يمكن لغسيل الدماغ أن ينتزع الرحمة من قلوب ضحاياه من الأطفال والشباب، فيُقدِم المغسول رأسه على جزّ عنق أمه وأبيه لأنهما "كافران"، وهو ما ترويه لنا الأخبار المرعبة مؤخراً عن حادثة في الرياض.
وعلينا شئنا أم أبينا أن نراجع بجرأةٍ وجسارة وبلا أدنى تردّد آليات غسيل الأدمغة التي تعشّش اليوم في مدارسنا ابتداءً من دور الحضانة ومروراً برياض الأطفال وانتهاءً بالثانوية العامة التي تقوم التنشئة فيها بلا استثناء يُذكَر، على التخويف من عذاب الله، لا التنعم برحمته، وعلى ذهنية التكفير والفرقة الناجية والتفوق العقائدي، التي تجعل الطفل/ الطالب/ الطالبة "طلاب شهادة" و"أبطال عمليات استشهادية" عندما يأتي تنظيمهم صدفةً أو تخطيطاً. فلا تظنن الدولة أن البلد بمنجاةٍ من الفوضى والمخاطر، ما دامت التربية الراهنة تغسل الأدمغة بدل بناء العقول.. فالنواتج ليست سوى قنابل موقوتة وخلايا نائمة.
ألا هل بلّغت!
دعونا لا نفقد الأمل...!