غضب كوريا الشمالية المبرر

جندي أميركي يتحدث إلى جنود من كوريا الجنوبية أثناء مناورة مشتركة - (أرشيفية)
جندي أميركي يتحدث إلى جنود من كوريا الجنوبية أثناء مناورة مشتركة - (أرشيفية)

ستانفيلد سميث * -
(كاونتربنتش) 10/4/2013
 ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
يعمد الإعلام التابع للمؤسسات الغربية إلى اختزال الجمهورية الكورية الشعبية الديمقراطية (كوريا الشمالية) في أسرة كيم فقط، ويقدم لأسمائهم بصفات "المجنون" و"الشرير" و"الوحشي". ولا يستخدم هذا الإسفاف في وصف الزعماء الأجانب هنا لمجرد الإشارة إلى أنهم هدف أميركي للاطاحة بهم. إن الغاية منه هي تخويف وعزل الناشطين المعادين للحرب، الذين يُنسبون إلى اليسار لأنهم يعارضون خض الحرب ضد بلدان يحكمها "مجانين" -سواء كانوا صدام أو فيدل (كاسترو) أو هوغو شافيز أو أحمدي نجاد أو القذافي.اضافة اعلان
لكن، وبالنسبة للعاقل، فإن من ضرب الجنون أن تعمد الولايات المتحدة التي تنشر أسلحة نووية على بعد آلاف الأميال من الوطن، في كوريا الجنوبية، إلى حرمان كوريا الشمالية الحق في أن تكون لديها أسلحتها النووية الخاصة بها تحت تصرفها -وبشكل خاص عندما يقول الشمال إنه يطور الأسلحة النووية كرادع فقط، لأن الولايات المتحدة لا تريد سحب أسلحتها الخاصة إلى خارج شبه الجزيرة الكورية.
إن الحقيقة التي يجري تفويتها فيما يمر من خطاب سياسي عن كوريا الشمالية في إعلام المؤسسات الغربية، هي أن الولايات المتحدة كانت تجري على مدار شهر مناورات حربية في آذار (مارس) الماضي في كوريا، والتي تم تمديدها إلى نيسان (أبريل)، والتي استخدمت فيها قاذفات "ستيلث" التي لا يتعقبها الرادار، والقادرة على حمل أسلحة نووية. وفي هذا العام، لم تكن هذه مناورات حرب "ردع"، وإنما مناورات "حرب وقائية".
هل ستصبح الحكومة الأميركية والشعب الأميركي "غير عقلانيين" قليلاً إذا ما قام بلد أجنبي كان قد قتل في السابق الملايين من أبناء شعبنا قاذفات ستيلث نووية لتناور قبالة سواحل مدينة نيويورك وواشنطن العاصمة وهيوستن وميامي ولوس انجيلوس وسان فرانسيسكو، وتقوم بالتحليق فوقها لمدة شهر استعداداً لهجوم نووي محتمل علينا؟ من أجل ما يدعى في اللغة الأميركية المنمقة "ألعاب" حرب؟
حسب الجنرال كيرتيس ليماي، الذي كان منخرطا في الحرب الجوية الأميركية ضد كوريا أن الولايات المتحدة قتلت ما نسبته 20 % من مواطني كوريا. وإذا صح ذلك، فإن ذلك المعدل أعلى من مذبحة الإبادة الجماعية التي كان النازيون قد نفذوها في بولندا أو الاتحاد السوفياتي. وقد تكون الحرب الكورية تاريخاً قديما غير معروف بالنسبة لنا، لكنها ليست تاريخاً قديماً بالنسبة للكوريين، تماماً مثلما هي النكبة بالنسبة للفلسطينيين.
إن كوريا الشمالية تعرف ذلك التاريخ، وهي تحذر الولايات المتحدة من أنها تعرف ما تتوقعه منها، وأنها تقوم بتسليح نفسها لمنعه فقط. فهل يكون زعماء كوريا الشمالية بعد ذلك "مصابون بمرض الشك"، أم أنهم يتخذون إجراءات احترازية لها ما يبررها؟
ما نوعية الناس المنحرفين الذين يسمون الاستعدادات للحرب "تمارين حرب"؟ إن كوريا الشمالية لا تعتقد بأن ذلك مجرد "تمرين". وكان أكثر من 4 ملايين شخص قد قتلوا في الحرب الأخيرة لإعادة توحيد بلدهم الذي قسمته الولايات المتحدة. وفي حال كان لدى الرجال طقس سنوي يدعى "تمارين اغتصاب جماعية،" ألا نعتقد حينئذ أن ذلك يشكل مرضاً جنائياً يتجسد في كراهية النساء، وألن يكون للنسار المبرر للغضب وتسليح أنفسهن للدفاع عن النفس.
تظهر قراءة دقيقة للتطورات المفضية إلى الحالة الراهنة أن كوريا الشمالية ترد على التصعيد العسكري الأميركي، وبشكل خاص على الرفض الأميركي للتفاوض. ويشمل ذلك معاهدة سلام لإنهاء الحرب الكورية، وأي خطوات باتجاه إعادة توحيد كوريا ووضع حد للاحتلال الأميركي لكوريا الجنوبية، وإنهاء المناورات الحربية الأميركية-الكورية الجنوبية السنوية التي طالت لأكثر من شهر. وحتى اليوم، فإنها تتضمن الرفض الأميركي للتفاوض من أجل خفض هذه التوترات.
كانت كوريا الشمالية قد ضربت بالعقوبات التي فرضتها عليها الولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولي التابع للامم المتحدة بسبب إطلاقها صاروخاً في الشهر الماضي. وكانت كوريا الجنوبية قد أطلقت صاروخاً بدورها في هذا العام، فهل فرضت عليها أي عقوبات؟
منذ الحرب العالمية الثانية كانت هناك 9000 عملية إطلاق صواريخ، أربعة منها اطلقتها كوريا الشمالية. وكان هناك نحو 2000 تجربة تفجير نووي، أجرت منها كوريا الشمالية ثلاث وحسب، ولم يفرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على أي بلد آخر. ولا أي بلد باستثناء جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية. فلماذا لا يشعر الكوريون الشماليون بالاستفزاز بسبب هذه المعايير المزدوجة، خاصة في ضوء أن الولايات المتحدة تتوافر على أسلحة نووية في كوريا الجنوبية؟
يعادل معدل القتل الأميركي اليومي في الحرب الكورية 1950/1953 أكثر مما قتلت هجمات 11/9 يوماً بعد الآخر طوال أيام الحرب التي استمرت 1100 يوم. وقد أصبحت لدى الشعب الأميركي ندبة من هجمة شنت لمرة واحدة في 11/9، فما هو نوع ندوب الحرب التي تكونت لدى الكوريين؟
لقد تقسمت كوريا لأن بلدنا غزاها وقسمها بعد الاستسلام الياباني. وقد حارب زعماء كوريا الشمالية اليابانيين منذ أوائل الثلاثينيات، ما أفضى إلى مقتل 200.000 شخص. وعندما كان التحرر الكوري في المتناول في العام 1954، تدخلت الولايات المتحدة وحالت دونه.
وكان من المفترض أن تغادر الولايات المتحدة في العام 1948، سوية مع الاتحاد السوفياتي. لكن، ونظراً لأنه كان من المرجح أن يكسب كيم ايل يونغ انتخابات مقررة على مستوى الأمة جميعاً، عمدت الولايات المتحدة إلى جعل التقسيم أزلياً، ومنعت اجراء انتخابات قومية، تماماً كما فعلت لاحقا في فيتنام. وقد أفضى ذلك إلى الحرب الكورية التي تسببت في العسكرة الراهنة: بلد أجنبي قسم واحتل بلدهم ضد إرادتهم.
يجب علينا أن نلعب دورنا لتحسين حالة حقوق الإنسان في كوريا، وليس في الشمال فحسب، وإنما وفي الجنوب أيضاً. فكلا المجتمعين مقفلان ومقيدان أكثر من مجتمعنا. وسواء كان البلد محتلاً من جانب قوات أجنبية أو مهدداً بحرب أو بمناورات حربية، أو خاضعاً لعقوبات اقتصادية قاسية، فإن ذلك لا ييسر وجود مجتمعات حرة ومنفتحة.
إذا كنا نريد حقاً المزيد من الحقوق للشعب الكوري الشمالي، فعلينا التوقف عن تصويب البندقية إلى رؤوسهم -ولو استمعنا لرسالة كيم جونغ أون التي وجهها قبل شهر تقريباً والتي تجاهلها الرئيس أوباما، لوجدناه يعلن: "إننا لا نريد حربا. دعونا نتحدث". وكان من شأن ذلك أن يكرس مزيداً من انفتاح المجتمع -وفي كوريا الجنوبية أيضاً، تماماً كما نعرف أنه سيفعل هنا في الولايات المتحدة.


*كاتب مناهض للحرب، وناشط في حركة التضامن مع أميركا اللاتينية في شيكاغو. عاد مؤخرا من رحلة في كوريا الشمالية نظمتها شركة كوريا تورز.
*نشر هذا المقال بعنوان: North Korea's Justifiable Anger