غموض غير مبرر

تعتمد الحكومة سياسة "الغموض الإعلامي" تجاه الأعداد الحقيقية للأشقاء السوريين الذين لجؤوا إلى الأردن، جراء المجازر والقمع الوحشي الذي يمارسه النظام على الشعب.اضافة اعلان
ربما يفسّر البعض هذا الغموض بتجنب الحكومة لإحراجات مع نظيرتها السورية، بعد أن شهدت العلاقات تراجعاً ملحوظاً خلال الثورة الحالية هناك، ووصلت إلى توجيه وسائل إعلام سورية شبه رسمية أصابع الاتهام للحكومة الأردنية بدعم الثوار، رغم أنّ هذا الإدعاء غير صحيح.
في المحصلة، لا توجد لدينا معلومات متوافرة دقيقة عن الأعداد الحقيقية للسوريين الفارين إلى الأردن. وما تمنحنا إياه بصورة غير رسمية الدوائر الحكومية هي أرقام متواضعة، بالضرورة غير صحيحة، لأنّ ما يتوافر من معلومات وبيانات على أرض الواقع يتجاوز أضعاف تلك الأرقام.
هنالك من عبر الحدود وهو يحمل جواز سفره وأوراقه الرسمية، وآخرون هربوا بلا وثائق. وقد تعاونت السلطات مع الجميع وسمحت لهم بدخول الأراضي الأردنية والإقامة فيها. فيما يبدو الأمر أكثر غموضاً حول المنشقين عن الجيش السوري، إذ لا توجد معلومات متاحة عنهم، وإن كانت روايات غير مؤكدة تتحدث عن مئات المنشقين يزدادون مع مرور الوقت.
أغلب الضيوف السوريين أتوا بلا أي غطاء مالي، وعلى الأغلب فروا بأنفسهم وأسرهم من جحيم القتل والتعذيب. وقد تولّت عائلات أردنية من أقربائهم مساعدتهم وإعانتهم على توفير المسكن والحياة اليومية الضرورية، فيما تكفلت جمعيات خيرية، وفي مقدمتها جمعية الكتاب والسنة، بتأمين المساكن لمئات العائلات السورية، من خلال تبرعات خليجية وعربية سخية.
الآن، أمام رئيس الوزراء ملف أبناء السوريين، وقد بدأ العام الدراسي الجديد، وذلك بتأمين مقاعد دراسية لأبنائهم في المدارس الحكومية، إلى حين يفرّج الله كربتهم بسقوط النظام الدموي، أو الوصول إلى "معادلة" جديدة يستطيعون بعدها العودة إلى ديارهم بلا خوف أو وجل.
هنالك قوائم بأسماء هؤلاء الطلبة وصفوفهم أعدتها مؤسسات خيرية، تتضمن مئات الأسماء من المراحل الابتدائية إلى الثانوية. ووفق المعلومات المتوفرة، فإنّ الكتاب المتضمن الموافقة على دخول هؤلاء الطلبة إلى المدارس الحكومية هو على طاولة الرئيس، وما نأمله ألا يأخذ وقتاً طويلاً، قبل الإيعاز لوزير التربية والتعليم بتأمين هؤلاء الطلبة على نفقة الدولة، وهو واجب إنساني وأخلاقي علينا تجاه هؤلاء الأشقاء.
الملف الثاني المهم، ما يتعلّق بالمنشقين عن الجيش السوري. إذ تتسرب أخبار عبر صحف ومواقع عن ظروف غير مريحة ولا مطمئنة يعيشون فيها. ويتحدث البعض الآخر عما يشبه "الإقامة الجبرية" التي تقع عليهم، من قبل الأجهزة الأمنية.
بالضرورة، هنالك دواعٍ أمنية لا يمكن تجاوزها يجب على الدولة اتخاذها لحماية هؤلاء الأشقاء أولاً، لخصوصية وضع المنشقين عن الجيش، لكن على ألا تتحول هذه الإجراءات إلى سيف مصلت على رقاب هؤلاء، وعلى ألاّ تبث لديهم القلق على مصيرهم ومستقبلهم.
ما نأمله من الحكومة أن تتولّى التعامل مع الأشقاء السوريين عموماً، وتحديداً ذوي الظروف الحرجة، وفق المنظور الإنساني والأخلاقي، وأن توفر لهم الشروط الرئيسة لإقامة جيدة ومحترمة، وألا ترفع من منسوب معاناتهم وتزيد من قسوة ظروفهم المتوترة أصلاً بسبب الاحتجاجات والقلق الشديد على مستقبلهم، وقبل هذا وذاك مصير بلادهم.
الموقف الأردني من هذا الموضوع ليس محرجاً ولا مخجلاً، بل هو ما يجب أن نفتخر به ونستثمره داخلياً وخارجياً، سياسياً وإعلامياً، فلا تبرير لإضفاء طابع من الغموض على هذا الملف من قبل المسؤولين.