غموض مكشوف

معاريف

أودي سيغال   17/6/2016

عندما استدعينا هذا الأسبوع لاستعراض لدى مصدر أمني رفيع، لم يخيب "المصدر الأمني" الأمل. فقد وفر عناوين رئيسة وآثار الاهتمام حين روى عن سحب بطاقة الشخصية رفيعة المستوى من محمد المدني، رجل السلطة الفلسطينية الذي شجع في الأشهر الأخيرة الحوار والاتصال مع المجتمع في إسرائيل. وشرح المصدر الأمني أن المدني حاول إقامة حزب سياسي (بقصد لليهود الشرقيين). وأن تدخل أجهزة الأمن في النشاط السياسي، مهما كان مغيظا، هو منحدر سلس. اضافة اعلان
والمصدر الأمني يحب مثل هذه المنحدرات. ولكن القصة عن المدني كانت مجرد التمهيد للرسالة المركزية التي خرجت عن المصدر الأمني. "المواجهة التالية مع حماس محتمة"، قال وأضاف: "المواجهة التالية يجب أن تكون الأخيرة من ناحية حكم حماس". والان هناك سبيلان لتفسير هذه الأقوال: التعاطي معها كأقوال تبجح او أخذها على محمل الجد.
السبيل الأول هو التفكير بأن هذه الرسالة هي "حقيقية لحظيا"، عنوان رئيس واحد من بين عناوين كثيرة ستتبدد مع مرور اليوم، تبجح، نفخ صدر، وأقوال وقحة ومهددة. ثمة لهذا حتى منطق عملياتي. فإذا كانت هذه تبجحات ذات نزعة قوة، فيدور الحديث  عن مفهوم آخر أكده لنا التعيين المفاجئ لأفيغدور ليبرمان وزيرا للأمن، بعد أن أقسم هو ورئيس الوزراء بأن هذا سيناريو غير معقول. وجوهرها الحقيقي هو أن ليس للكلمات اي معنى وليس هناك ثمن سياسي أو جماهيري لأن الجمهور ينسى، يسامح ومعتاد على أكاذيب سياسية أكبر من هذه.
المنطق الأمني الذي في مثل هذه الخطوة هو في كونها جزء من الحرب النفسية والردع الإسرائيلي. فحماس تتلقى إشارة بأن احتمال الانجرار إلى جولة أخرى من المناوشات مع إسرائيل سيعرض استمرار حكمها في القطاع للخطر. هذه رسالة صحيحة ورادعة. تحذير موجه للأساس الأكثر حساسية لكل حزب، حتى لو كان حزب إرهابي عنصري ووحشي مثل حماس.
الامكانية الثانية للتعاطي مع اقوال المصدر الامني هي كما أسلفنا، اخذها على محمل الجد. استراتيجية حكومة نتنياهو في السنوات الست الأخيرة كانت بسيطة: إدارة النزاع والحفاظ على حماس. وقد شددت هذه السياسة الهدف في كل الجولات القتالية للجيش الإسرائيلي حيال حماس في غزة منذ الجرف الصامد.
وحسب هذا الخط فالهدف ليس التصفية، القضاء، السحق والمعك لحماس؛ بل الحفاظ عليها كعنوان فاعل، ناجع، ضعف ومردوع بعد الضرب الشديد له. بمعنى، قبول عملي لحماس كعنوان سلطوي ناجع والتصدي للشيطان المعروف، بدلا من الفوضى وخطف الحكم من قبل جهات أكثر تطرفا وأقل نجاعة.
ما وجه هذا الخط السياسي كان الخوف من الفوضى، مثلما في سورية. لا يكون هناك عنوان مسؤول واحد بل جملة من الجماعات التي ينبغي المناورة في ما بينها من أجل الحفاظ على الامن الجاري. وحاول المراسلون العسكريون الإثقال على المصدر الأمني وسألوه ما هو البديل ومن سيحتل مكان حماس في الحكم. قال فقط إنه توجد بدائل. على المستوى المبدئي يوجد هنا تخوف من أن هذا التغيير في السياسة – إذا كانت هذه بالفعل أمور جدية – فقد تم مرة أخرى دون أي نقاش معمق في الطاقم الوزاري المقلص للشؤون العسكرية والسياسية وقرار في الحكومة. يوجد وزير أمن جديد وهو يملي الاستراتيجية.
من يرغب في فهم خط السياسة الجديد هذا يتعين عليه أن يعود إلى ما قاله أفيغدور ليبرمان حين كان وزيرا للخارجية في الطاقم الوزاري المقلص للشؤون العسكرية والسياسية في زمن حملة الجرف الصامد. فقد صرح قائلا: "يجب السير على كل شيء أو لا شيء. أو حتى النهاية أو عدم عمل أي شيء". وفي أثناء الحملة تحدى فكره الوضع عدة مرات في المداولات. كانت جدالات وصراخات، ولكن بعد العرض المفصل للجيش الإسرائيلي والذي طرح فيه الثمن الهائل للسيطرة او الاحتلال للقطاع، جرى تصويت صوت فيه الجميع، بمن فيهم ليبرمان ضد خطوة برية لاحتلال غزة. وادعى بان هذا بات متأخرا، وأضاف أن لديه خطة.
وهذه هي الخطة: المواجهة التالية مع حماس ستؤدي إلى خطوة برية فورية يجري الإعداد لها مسبقا، وسيكون هدفها اسقاط حكم حماس. الجيش الإسرائيلي يحتل أهدافا استراتيجية في القطاع، بما فيها مستشفى الشفاء، محطة التلفزيون ومراكز حكم أخرى. الجيش الإسرائيلي يسيطر ويحكم القطاع، وينزع سلاح حماس في ظل المفاوضات مع الامم المتحدة ومع جهات في العالم العربي عن حكم بديل، مؤقت او دائم. ويدعي ليبرمان بأن هذا سيكون محدودا بالزمن.
في الجيش الإسرائيلي يخافون من حل مؤقت. عندما رسمت إسرائيل حزاما أمنيا في لبنان كحل مؤقت، كانت حاجة لـ15 سنة للخروج من هناك.