‘‘غور فيفا‘‘: الفقر ‘‘يجثم‘‘ على أنفاس أهلها - فيديو

طفل يطل من مدخل منزل بلا بوابة في بلدة غور فيفا بالأغوار الجنوبية
طفل يطل من مدخل منزل بلا بوابة في بلدة غور فيفا بالأغوار الجنوبية

محمد العشيبات

الأغوار الجنوبية – في بلدة يجثو الفقر على أنفاس أهلها، ليحول حاضرهم الى مأساة حقيقية، فيما المستحيل بات مستقبلهم، فلا أحلام ولا أهداف ولا حتى بصيص أمل بالتغيير، بل إن جل ما يربون إليه المحافظة على حياة البؤس، خوفا من مجهول اشد معاناة.
فحين ينقطع الأمل، تفقد آلاف الأسر طعم الحياة، ويتوقف شيابها عن النظر للوقت بانتظار ساعة أجلهم، فيما الغرق والضياع بعالم الجريمة هو خيار العديد من الشبان.
اسر تسكن اشد مناطق المملكة فقرا، لتثير أوضاعهم المأساوية تساؤلات عديدة، يختصرها سؤال واحد، " ما الذي ينتظرونه من هذه الحياة البائسة؟".
قرية غور فيفا بلواء الأغوار الجنوبية، والتي يقطنها قرابة 3 آلاف شخص، بمجرد المرور منها، تشعرك مشاهد منازل أهلها وأوضاعهم، بأنك خرجت من الأردن، وقد دخلت لتوك الى بلد لم تكتشفه بعد منظمات الإغاثة وناشطو حقوق الطفل، وأبطال مكافحة الفقر.
فحالة الاستثناء ليس لها مكان بين غالبية سكان البلدة، اذ ان عموم حال أهلها الفقر والمعاناة، فمن أطفال محرومين من حقهم في الطفولة وشبان تاهوا في طرق البحث عن عمل، ليجد اغلبهم الإدمان على المشروبات الروحية او المخدرات سبيلا للهروب من واقعهم، ونساء يتزاحمن على فرص عمل محدودة بمزارع البندورة، الى رجال ضاقت بهم قلة الحيلة، وباتوا حبيسي منازلهم هربا من سجن المطالبات القضائية، بعد ان تراكمت عليهم الديون والشيكات بلا رصيد. 
 أم محمد من سكان القرية، دخلت عقدها الخامس، تستيقظ  فجر كل يوم، تغادر عريشتها بجلباب مهترئ، تاركة وراءها أطفالها نياما لتجمع بعض الأعشاب البرية وتحديدا "الخبيزة"، على أمل بيعها على جنبات الطريق الرئيس المؤدي للعقبة لأحد المارة.
 الخمسينية كغيرها من نساء البلدة، اللواتي فقدن طعم الحياة الكريمة ولقمة العيش الهنيئة، يكافحن ويذقن الأمرين من اجل الاستمرار بالحياة وتربية أبنائهن، وكأن العيش بات اشبه بصراع مع البقاء.
ترجع ام محمد لمنزلها بعد ساعات طويلة قضتها بانتظار بيع ما جمعته من "الخبيزة"، فيما يعتمد سد رمق أطفالها على حجم بيعها، الا ان الكارثة تكون عندما تعود خاوية الجيوب. وتقول ام محمد في وصفها لحالها "عايشين لأن أجلنا لم يحن بعد".
فاطمة  في نهاية السبعينيات، هي الأخرى لا تختلف عن ام محمد، غير أنها لا تحبذ المغامرة، اذ تفضل العمل المضمون من خلال قطاف محصول البندورة من المزارع وتقاضي أجرة لا تتعدى دنانير قليلة.
تقول فاطمة، اسكن في منزل انا وابنتي، وأتقاضى 40 دينارا من صندوق المعونة الوطنية بالكاد تكفي لسد أثمان فواتير الكهرباء والماء وشراء الخبز، واضطر للعمل الشاق في هذا السن المتقدم، كي استطيع تأمين متطلبات الحياة الأخرى من مأكل ومشرب.
وتضيف فاطمة، "أعرف الكثير من النساء بسني في البلدة ما زلن مضطرات للعمل، لكن متى سوف أستريح واشعر أني إنسانة فالمرض هدني؟".
حالتان ليستا فريدتين في القرية، اذ ان غالبية الأسر تعاني نفس الأوضاع، فجل همها هو تأمين الأكل والشرب اللذين باتا طموح أسر عديدة انتهى مستقبلها.  
فبقايا البيوت التي تستتر بها  الأسر الفقيرة، لا تصلح للعيش، وتخلو من ابسط مقومات الحياة اليومية، فحتى أنبوبة الغاز لا توجد في غالبية البيوت، وان وجدت فهي خالية منذ زمن ولا يوجد نقود لتعبئتها، فيما الحطب ملاذ العديد لتوفير النار بأشباه المطابخ، حتى في فصل الصيف حيث درجات الحرارة تتجاوز 45 درجة مؤية.   
 وتعد منطقة غور فيفا من اشد مناطق المملكة فقرا، وفق تقارير وزارة التخطيط والتعاون الدولي، فيما تشير مصادر في مديرية التنمية الاجتماعية، الى ان  أكثر من 150 أسرة من اصل 300 مجموع اسر القرية تتقاضى معونة شهرية من صندوق المعونة الوطنية.
ورغم تواضع عدد الأسر التي تتقاضى المعونة الشهرية، الا ان الرقم لا يعكس حقيقة الفقر بالمنطقة، اذا ما عرفنا ان متوسط عدد أفراد الأسر بالقرية يتجاوز 7 أفراد، وفي بعض الأسر يصل تعداد أفرادها الى 10، إضافة ان عددا كبيرا من أرباب الأسر، باتوا مطلوبين للجهات القضائية بقضايا مالية نتيجة خسارات متتالية أثناء عملهم بالقطاع الزراعي، ما يمنعهم حتى من المطالبة بأبسط حقوقهم والتقدم للصندوق طلبا للمعونة، او حتى البحث عن عمل.
ووفق المحامي محمد المعاقلة،  فان محكمة غور الصافي تشهد يوميا دعاوى قضائية، غالبا ما يكون خصومها أشخاصا متعطلين عن العمل، موضحا ان اسرا بكاملها ملاحقة قضائيا بقرية غور فيفا، بعد ان رهنت مستقبلها بقطاع الزراعة، الذي يمنى بخسارات متتالية منذ سنوات. 
ويدعو المعاقلة الجهات المعنية الى دراسة الواقع الاقتصادي من قبل خبراء اقتصاديين قادرين على خلق فرص عمل للشباب، للحد من ارتفاع نسبة البطالة بين فئات الشباب، مبديا تخوفه من انتشار تعاطي المخدرات والمشروبات الروحية التي تؤدي الى ازدياد نسبة الجريمة بسبب حالة الإحباط الشديدة التي يعاني منها الشباب.
يأتي ذلك في وقت تشير فيه مصادر في  قسم مكافحة المخدرات بالكرك أن منطقة الأغوار الجنوبية من اقل نسب تعاطي المخدرات في محافظة الكرك.
واشارت ذات المصادر الى ان ظاهرة انتشار المخدرات والمشروبات الروحية جاءت نتيجة سهولة الحصول عليه من مروجين يبيعونها مستغلين الشباب.
 غير ان النائب الدكتورة صباح  الشعار تشكك بنسب تعاطي المخدرات في لواء الاغوار الجنوبية بين فئات الشباب وتعتبرها من النسب المرتفعة بالمحافظة، نتيجة حالات الفقر الشديد التي تعيشها اسرهم.
 وتضيف ان خطورة انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات بين الشباب ستكون نتائجها وخيمة على المجتمع،  داعية الى التركيز على دور الاندية والمراكز الشبابية ودور العبادة في استهداف الشباب من خلال إشراكهم في الأنشطة الفاعلة التي تنمي مواهبهم.
وفي محيط القرية البائسة، تنتشر شركات التعدين العملاقة وتتوفر فيها فرص عمل، غير أنها "محرّمة على أهالي القرية"، وفق الشاب خالد البوات وهو من ابناء القرية.
ويقول البوات، نعيش في بلدة حالها الفقر الشديد، فيما لدينا قناعات بأن محيطنا غني، وان المنطقة قادرة على توفير لقمة عيش هنيئة لأهلها وتأمين مستقبل أبنائها.
ويضيف، سكان البلدة فقدوا الأمل بتغير الحال، خاصة بعد ان انتظروا سنوات عديدة لتنفيذ وعود الحكومات المتتالية بخلق استثمارات بالمنطقة.
وعلى بعد قرابة 5 كلم، في الجهة المقابلة من القرية، وتحديدا الجانب الإسرائيلي، مشهد خلاب من البساتين والمزارع والبيوت الفارهة، يترك في نفوس أهل "فيفا" غصة مؤلمة، ويضعهم في دوامة التساؤلات عن أسباب إهمال القرية وعدم  استثمارها.
قصة البلدة بسيطة، فالفقر الذي يجثو على أنفاس أهلها، يعود لسنوات مضت حين ارتكب أكثر من 90 % من السكان خطيئة العمل بالزراعة، "القطاع" الذي من المفترض ان ينعش البلدة ويجعل أهلها ميسوري الحال.
فالعمل لسنوات عديدة تحت مظلة الخسارة "غير المفهومة" بالقطاع، حول أهلها من ملاك للأراضي الى مستأجرين لها، بعد ان باعوها لاستكمال نشاطهم الزراعي، غير ان استمرار الخسائر وضع غالبية المزارعين في دائرة المطالبات القضائية.
وتؤكد رئيسة جمعية غور فيفا للتنمية الاجتماعية فتحية البوات ان هناك عددا من الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني  تحاول مساعدة الأسر في قرية غور فيفا لإنشاء مشاريع متوسطة للحد من ظاهرتي الفقر والبطالة، غير ان هناك تحديا يواجه شباب القرية العاملين بالقطاع الزراعي ويشكلون اكثر من 90 % من إجمالي الشباب، حيث إنهم مطالبون للتنفيذ القضائي نتيجة الديون المستحقة عليهم في ظل اعتمادهم على الزراعة لسدادها، مشيرة  الى ان حجم الدعم الذي يقدم للجمعيات في المنطقة لا يلبي طموحات المواطنين، في ظل وجود عدد من الشركات التي يجب ان تلعب دورا أساسيا وتنمويا بالنهوض بمستوى معيشة أهل القرية.
  وأشارت البوات الى غياب البرامج التنموية التي تخص الفتيات في المنطقة، علما بأنهن يشكلن ما نسبته 60 % من إجمالي سكان القرية.
 ودعت إلى ضرورة إيجاد المشاريع الإنتاجية المدرة للدخل لتحسين مستوى معيشة أسر العاملات التي تعتمد على الزراعة في تأمين لقمة العيش، حيث يعاني القطاع من خسائر فادحة أجبرت مزارعين على بيع أراضيهم لتسديد ديون تراكمت عليهم عبر السنوات الماضية.
 الشابة نجاة (19 عاما)، تضطر بعد ان تركت دراستها مبكرا، للعمل بمزارع البندورة لتأمين ولو جزء بسيط من دخل أسرتها المكونة من 8 أفراد.
وتقول " حال فتيات غور فيفا صعب، ونحلم بأن يتغير، نسمع عن معيشة الفتيات في المناطق الأخرى، نقارنها بحياتنا فنكتشف أننا غير موجودات بالأصل".
وتضيف نجاة "بعض الفتيات اضطررن الى الزواج المبكر دون سن 15 سنة، أملا بأن يتغير حالهن وليخففن عن أسرهن في النفقات، غير أنهن صدمن بواقع جديد اشد مرارة من سابقه، وكأن تغير حال أهل القرية وخاصة الفتيات من المستحيلات". 
الشاب عبد الله محمد، هو الآخر يواجه أزمة الضياع، فرغم بحثه عن فرصة عمل، الا أنه لم يجدها في المنطقة، فيما خروجه منها الى مناطق أخرى غير ممكن، نتيجة انه مطلوب للتنفيذ القضائي بسبب ديون تراكمت عليه أثناء العمل مع أسرته بالزارعة.
يضيف عبدالله، شباب غور فيفا لا مستقبل لهم، ونطمح بان تنظر لنا الجهات المعنية وتزود المنطقة بمشاريع تنموية، كثير منا وجد بالمشروبات وبعض أنواع الحبوب المخدرة الرخيصة فرصة للهروب من الواقع المرير.
 ويؤكد مصدر يعمل بمجال التنمية الاجتماعية، ان تعاطي المخدرات والمشروبات الروحية  يكثر بين شباب الأسر التي تعاني فقرا شديدا، نتيجة الإحباط الذي يعانونه في ظل عدم وجود فرص عمل لهم.
 ويكشف المصدر، ان هناك اسرا يتجاوز عدد افرادها 10 يسكنون في غرفة واحدة، لا تتجاوز مساحتها 4 أمتار، وتعتمد تلك الأسر على مصدر واحد  بالدخل وهو صندوق المعونة الوطنية، الذي بالكاد يوفير لهم أبسط متطلبات الحياة اليومية كالخبز.
وتحذر أستاذة علم الاجتماع إحسان العجالين  من ازدياد ظاهرة الفقر بين الأسر في قرية غور فيفا المحرومة من توفير ابسط حاجيات أبنائها، ما يجعل هؤلاء عرضة لاضطرابات نفسية تحولهم في المستقبل الى عدوانيين او منحرفين، بسبب شعورهم بالدونية مقارنة بأبناء العائلات المتنفذة الذين يعيشون في بيئة اجتماعية سيطرت عليها المادة والمظاهر.
 ودعت الجهات المعنية الى أهمية الاستثمار في الطفولة لخلق جيل قادر على الخروج من التحديات التي تواجه المنطقة.
 فيما يؤكد مدير التنمية الاجتماعية في لواء الأغوار الجنوبية محمد البطوش، ان الوزارة تولي منطقة غور فيفا كل الاهتمام لمساعدة الأسر على تحسين أوضاعهم المعيشية، مشيرا الى ان وزارة التنمية الاجتماعية ستعمل خلال العام الحالي على إنشاء وحدة تنمية في قرية غور فيفا للحد من ظاهرتي الفقر والبطالة.
وقال إن مشاريع جيوب الفقر التي ينفذها  الصندوق الأردني الهاشمي في المنطقة أسهمت بشكل كبير من مساعدة بعض الأسر الفقيرة بإنشاء مشاريعهم الإنتاجية بمنح وصلت من  3000 - 5000 دينار، توزعت على مشاريع إنتاجية وحرفية، داعيا الجهات المعنية لعمل شراكات لتحسين مستوى المعيشة بالقرية.
 ويشير مصدر بسلطة وادي الأردن، أن دور السلطة بمنطقة غور فيفا يكمن بتوفير مياه الري للوحدات الزراعية، في ظل اعتماد اغلب سكان القرية على الزراعة، إضافة الى ان السلطة تمنح عددا من الأسر أراضي زراعية مقابل أجرة زهيدة لمساعدتهم بتوفير مصدر دخل، مشيرا الى عدم وجود خطة شاملة لإنعاش المنطقة حتى الآن.

اضافة اعلان

[email protected]