غياب الثقة: مأزق اقتصادي خطير

 أزمة غياب الثقة في الاقتصاد والسياسة كما في المجتمع وحتى داخل الاسرة الاردنية ملمح رئيس من ملامح الحياة بصورة عامة في بلادنا، وثمة خسائر جراء استمرار هذه الازمة، فدولة القانون والمؤسسات تبنى على الثقة اولا وكذلك النشاط الاقتصادي فإنه يعتمد على الشراكة بمفهومها الواسع، ولعل الثقة هي الطريق الوحيدة لتحقيق هذه الشراكة التي تبدو مفقودة في واقعنا اقتصادا وسياسة.

اضافة اعلان

 اكبر الديمقراطيات في العالم واعتى مؤسسات الاقتصاد واضخمها نجمت عن افكار تبعتها حالة اجماعية او شبه اجماعية تجاه تطبيق الفكرة بعد الاتفاق على خطة التطبيق والعملية برمتها تتحرك وما تزال تتحرك لدى العالم المتقدم ضمن اطار ثقافة سياسية اقتصادية اجتماعية ذات بعد اجماعي عريض لا عودة فيه الى المربع الاول كما هو الحال لدينا.

 ما خلص اليه استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية حول الديمقراطية في الاردن من نتائج يفتح ملفات قديمة جديدة حول درجة الثقة بالاقتصاد الاردني وتحديدا بين المسؤولين والمواطنين، كما ان هذه النتائج تؤشر على انعدام الثقة او تدنيها بخصوص وجود سوء في توزيع عوائد الاقتصاد رغم مضي سنوات على الخصخصة اضافة الى مواصلة نمو الناتج المحلي للبلاد.

 ثلثا الاردنيين يشعرون بنوع من الغبن في توزيع عوائد الاقتصاد الوطني .. اعتقد انها نتيجة تمحو ما تبقى من ثقة تقليدية بعمل الحكومة الاقتصادي او تعيد النظر بدور القطاعين العام والخاص في الاردن، وسط تقلبات الدور والشراكة بين الجانبين لكنها تدلل على وجود فراغ كبير بين من يملك ويدير دفة هذا الاقتصاد وبين المستهلكين والمواطنين الذين هم أداة الانتاج الاولى في المجتمع، واساس هذا الفراغ يتجسد في غياب الثقة.

 وفي التحليل، اتساءل ويتساءل كثيرون، لماذا يشعر اغلبية الاردنيين بوجود غبن او ظلم في توزيع عوائد الاقتصاد ؟ وهل يوجد بون شاسع بين الاردنيين؟ وهل ثمة من يملك وثمة لا يملك في بلد سمته الرئيسة انه فقير ويعاني من شح الموارد وانقطاعها في ملفي المياه والنفط ؟ وهل انتج بيع معظم موجودات شركات البلاد خلال السنوات العشر الماضية الى وفرة مالية أوصلتنا حد التخمة؟ مم يشكوالاردنيون ولماذا يشكون ؟

 اسئلة كثيرة، والتعبير عنها يصطدم بأزمة عدم الثقة، فالاستطلاع ذاته خلص ايضا الى ان 77% من الاردنيين يخافون انتقاد الحكومة علنا في محاولة منهم لتجنب اي عواقب امنية او معيشية قد تطالهم وعائلاتهم، وهنا تتعمق الازمة فتغيب الثقة وتغيب معها فكرة المواطنة بمعناها الذكي ويغيب التفاعل الحيوي الذي ينتج مؤسسات ناضجة كما في العالم المتحضر، واكثر من ذلك تغيب درجة المسؤولية بين الشعب والسلطة،  وبين الفقراء من لا يوجد لديهم ماء للشرب وبين من يجددون مياه برك السباحة لديهم في اليوم مرتين على الاقل.

 ازعم ان العينة التي تم استطلاعها صادقة جدا فيما ذهبت اليه بشأن الشعور بالغبن تجاه عوائد اقتصادية لا تصلهم، فما  الذي استفاده الفقراء من نمو قطاع العقار في المملكة يوما بيوم بل ساعة بساعة ؟ واين ذهبت اموال التخاصية التي نجمت عن بيع القطاع العام لموجوداته ؟ وكيف تصرفت بها الحكومات المتعاقبة ؟ وهل اساءت استخدامها ام انها انفقتها في صالح المواطنين ؟

 الشعور بالظلم تجاه سوء توزيع عوائد الاقتصاد يصطدم مباشرة باصلاح اقتصادي نفذته المملكة عبر السنوات الخمس عشرة الماضية، وحقيقة التصادم ان هدف الاصلاح كان تحسين احوال المواطنين، وبما ان المواطن لا يشعر الآن بانه مستفيد من عوائد الاقتصاد فان الاصلاح لم يؤت اكله كما ان المسؤولين عن هذه النتيجة يجب ان يحاسبوا على الفجوة والظلم والغبن وسوء توزيع العوائد وكل ما ذهبت اليه العينة التي عبرت عن رأيها في هذا الشأن.

 لكن محاسبة ومساءلة المسؤولين  يجب ان تصدر عن مجلس نيابي فاعل لا مغيب، وهنا يجيب الاستطلاع مجددا عن ذلك من خلال النتيجة التي تقول ان نصف العينة ترى ان مجلس النواب الحالي لا يمارس صلاحيلاته في مساءلة الحكومة.

 نتائج الاستطلاع دقيقة الى ابعد مدى وهي متفقة مع حقيقة الاوضاع على الارض، وغياب الثقة الذي نتحدث عنه ناجم عن سلسلة حلقات متصلة ببعضها البعض، تبدأ بشعور بالغبن ثم يتطور الى خوف من السلطة، ويمر لاحقا بعدم الثقة بالنواب، ثم يتحول الى شكل عبثي يكون فيه المواطن ابعد ما يكون عن فكرة المواطنة، فهو لا يثق وليس لديه شعور بان عطاءه مهم فيبدأ بممارسة الكسل وتتسع دائرة السلبية حتى تصل الى حدود مرعبة تطال أمن وسلامة المجتمع بأكمله.