غياب المرونة في التشريعات والاستقلالية يعيق الجامعات الرسمية

الجامعة الأردنية بعمان - (تصوير: ساهر قدارة)
الجامعة الأردنية بعمان - (تصوير: ساهر قدارة)

تيسير النعيمات

عمان – اعتبر خبراء أكاديميون، بأن العوائق أمام الجامعات الرسمية لتصبح جامعات منتجة، سوء اختيار القيادات الأكاديمية وغياب المرونة في تشريعاتها واستقلالها المالي والإداري.اضافة اعلان
وبينوا في أحاديث لـ"الغد"، بأن المقصود بالجامعة المنتجة، ليست تلك التي تحقق أرباحا، بل التي تنتج اقتصادا تعليميا، وتسهم بأبحاثها ومراكزها الاستشاراية بتقديم حلول اقتصادية وعلمية، تلبي حاجة الاقتصاد الوطني، كحلول قضايا الزراعة والطاقة والمياه، ومواجهة جائحة كورونا، وترفع منسوب الوعي المجتمعي، وتعزز ثقافة الديمقراطية واحترام القانون وقبول الآخر، والحد من التطرف ورفع كلفة الجريمة.
وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأسبق الدكتور وليد المعاني، أشار إلى أن هذا المصطلح طرح قبل سنوات، بقصد أن الجامعة تنتج أموالا لأنها تحتاج إليها، وفي ظل محاولات للتقليل من الاعتماد على عوائد البرنامج الموازي.
وأكد المعاني أهمية أن يكون في الجامعة بحث علمي ومراكز استشارات، تتحسس حاجات البلاد وتقدم الحلول لمشكلاتها، مشيرا إلى أن هذا ما يطبقه صندوق البحث العلمي بدعم الأبحاث التي تناسب حاجات الأردن من بحوث الطاقة المتجددة والمياه والزراعة وغيرها من القضايا.
وقال يفترض بالجامعة وعبر الخبرات والأكاديميين وأبحاث أعضاء هيئة التدريس، بأن تكون منتجة، لكن هذا غير موجود للأسف، فالأبحاث الجامعية لا تؤدي دورها، وتنجز لغايات الترقية، مشيرا لأهمية دور مراكز الاستشارات بتقديم استشارات منتجة وعقد دورات تعود بالفائدة على المجتمع والقطاعات الاقتصادية، بحيث يكون لمركز الاستشارات إدارة تضم كل الخبرات في الجامعة، لتقديم استشارات منتجة للقطاع الخاص.
ويرى المعاني أن ما يحول دون أن تصبح الجامعات منتجة، الإدارات الجامعية والبيروقراطية والبيئة غير المناسبة في الوسط الأكاديمي لتصبح الجامعات منتجة، مشددا على أن الأصل بأن تكون الجامعة منتجة عقول وفكر وبحث علمي، ودراسات تقدم حلولا للمشاكل الاقتصادية والمعرفية والاجتماعية.
رئيس الجامعة الأردنية الأسبق الدكتور اخليف الطراونة، اتفق مع المعاني بأن سوء اختيار القيادات الجامعية، يحول دون الوصول للجامعة المنتجة، فضلا عن غياب مرونة تشريعاتها وهياكلها التنظيمية واستقلالها المالي والإداري.
وأكد أهمية الاستثمار في اقتصاد التعليم واللجوء لاستشارات تعاقدية، وتوظيف الخبرات الأكاديمية، للمساهمة بمواجهة الجائحة إيجابيًا، ورفع كلفة الجريمة ومستوى الوعي الصحي والاقتصاد التعليمي، وخلق ثقافة ديمقراطية واحترام القانون.
ويرى الطراونة، أن القائد الذي تتوافر له رؤى استشرافية وابداع وابتكار، قادر على قيادة جامعة منتجة واقتصاد تعليمي، والاستثمار في الفكر والمورد البشري.
ودعا لتفعيل دور مجالس الأمناء بجذب التمويل للجامعات، ودعم التخصصات الحديثة التي تحقق التوافق بين التعليم وحاجات المجتمع في قطاعات الأعمال والمؤسسات الإنتاجية، وتبني نظام تقديم برامج تعليمية مشتركة مع الجامعات المتميزة بالخارج لمنح درجات علمية.
وقال إن التعليم العالي ليس خدميا، بل إنتاجيا، وقدم مخرجات إنتاجية ذات مردود اقتصادي واضح على مستويات الحياة العامة كافة.
وأكد الطراونة أهمية تبني نموذج الجامعة المنتجة، أي التي تحقق وظائفها المتوقعة والمتمثلة بالتعليم والبحث وخدمة المجتمع، وتتكامل فيها هذه الوظائف، لتحقيق موارد مالية إضافية بأساليب ووسائل متعددة كالتعليم المستمر والاستشارات والبحوث التعاقدية والأنشطة الإنتاجية.
ودعا لتعزيز مفهوم البحث العلمي ودعمه، ليسهم بحل مشاكل الاقتصاد والتنمية، بحصول الباحثين على براءات اختراع، وتوجيه البحث العلمي للمساهمة بتطوير التنمية وزيادة الإنتاج بدلا من الانكفاء على الاستبانات والأرقام التي لا تقدم اي معرفة جديدة.
وطالب بإيجاد مراکز تميز علمي وبحثي في الجامعات الرسمية، لتحقق كل جامعة تميزا في حقل معرفي، وإنشاء متنزهات علمية وحاضنات أعمال ومختبرات بحث خاصة بأعضاء هيئة التدريس.
وشدد على أهمية دعم الجامعة لتغدو حاضنة للأفكار، ولتصبح ملتقى للرؤى والطروحات الفكرية التي ترتقي بالوطن، ونزعها من المحلية التي تغرقه بالجهل والتخلف، وتعزيز مفاهيم مشاركة الطلبة ومفاهيم الديمقراطية، واعتبار الجامعة مجالا أوليا للوصول للحكم الديمقراطي الرشيد.
وقال لا بد من إلزام الجامعات بتوفير الخبرة التعليمية والتعلمية المتميزة لطلبتها، وتبني برامج بحثية لإنتاج المعرفة النظرية والتطبيقية ونشرها، والمساهمة بفعالية في بناء ثقافة التعلم المستمر، وتحسين مستوى الحياة في مجتمعها المحلي والإقليمي والعالمي.
المدير السابق لمركز الاعتماد وضمان الجودة بجامعة اليرموك الدكتور سميح كراسنة قال إن التغيير السريع ومواكبة ما يفرضه العصر الرقمي من واقع، يلقي ظلاله على مختلف مجالات الحياة، ويعد من أبرز التحديات التي تواجه مؤسسات التعليم العالي الحكومي في الأردن.
وزاد الكراسنة، أن غالبية الجامعات الأردنية تعيش واقعا غير مألوف وغير مسبوق، اذ ترزح تحت وطأة أزمات اقتصادية ومالية وإدارية سيئة الأثر، وهذا يؤثر في المكانة الأكاديمية والإنجاز التنموي والابداعي والانتاجي، والاستثمار برأس المال البشري الأردني الذي يعد من أهم معطيات الاستدامة في التنمية البشرية، المتوقع منها كمؤسسات بناء وتنمية وتقدم في ظل معيطات عالمية، وتصنيفات أبعدت الجامعات بواقعها الحالي عما ما كانت تتجلى به من مكانة بين جامعات العالم.
ويرى الكراسنة، أن من أبرز التجارب العالمية التي تسهم بتحسين الأداء المؤسسي للجامعات بكافة أدوارها، وتحسين اقتصادياتها، هي تنبي نموذج الجامعة المنتجة، بحيث نجح هذا النموذج في دول من العالم كالصين والولايات المتحدة الأميركية، وعالمنا العربي في السعودية ومصر.
وقال تعمل الجامعة المنتجة على تكامل مهامها الأساسية؛ وهي: التعليم والبحث العلمي والخدمة المجتمعية لتحقيق الموارد الإضافية، عبر وسائل متعددة، كالتعليم المستمر والاستشارات والبحوث التعاقدية والأنشطة.
وتابع، تقوم الجامعة المنتجة على مرتكزات منها: الإعداد المتكامل للطالب عقليا وخلقيا واجتماعيا، والجمع بين الإعداد الشامل والتخصصي، وربط التعليم بالعمل حيث يجمع الطالب بين اكتسابه للمعلومات المرتبطة بتخصصه وممارساته للعمل التطبيقي، وتحقيق الارتباط الوثيق بالمجتمع، وتلبية احتياجاته من الخريجين كما وكيفا، وإلى تنوع مصادر التمويل، لتشمل أجور الأنشطة والمشروعات، وخدمات الجامعة، ومصروفات ومعونات ومنح الطلبة من الأفراد والمؤسسات.
كذلك تعزيز الجامعة لقدرتها على إقامة علاقات شراكة مع المؤسسات الصناعية، لحل مشكلة تمويلها، وضمان تعدد الدخول وضبط الإنفاق وربطه ببرامج الجامعات وأنشطتها المختلفة، بحجم التمويل وانتظامه، فالاعتماد الكامل على الدعم الحكومي يزيد الأعباء الملقاة على الجامعات، بخاصة مع وجود تناقص نسبي في حجم الدعم والتفاوت فيه من عام إلى آخر.
واعتبر أن أهم معوقات تحقيق هذا النموذج في الجامعات يعزى لغياب القيادة والإدارة الرؤيوية التشاركية، القادرة على صنع القرار الإنتاجي الإبداعي القائم على الدراية والمعرفة بالبيئات الإنتاجية والاجتماعية والاقتصادية والبشرية المحيطة بالجامعة. وزاد الكراسنة، أن غياب الرؤية المشتركة ووضع البرامج والخطط التشاركية مع مؤسسات المجتمع، ما يعني عدم وجود قنوات عمل بين القطاعات للتنسيق بينها في بناء مستقبل الإنتاج وشكلة وحجمه، وغياب الرؤية البحثية للدراسات التطبيقية التي تضمن نقل النتائج للمؤسسات الإنتاجية لتطبقها، من أهم المعوقات للوصول للجامعة المنتجة.
ويرى الكراسنة أن ضعف الدراسات والبحوث التي تؤسس لإنتاج براءات اختراع أو إبداعات وابتكارات علمية جديدة، يمكن استغلالها في المجالات الصناعية والإنتاجية. وربما عدم وجود منظومة القيم الناظمة للعلاقات بين العناصر البشرية في المؤسسات التعليم (الجامعات)، والجامعات ومؤسسات المجتمع العامة والخاصة، كالنزاهة والشفافية والموضوعية والصدق والأمانة. ومن ناحية أخرى، ضعف ثقة القطاع الخاص بنوعية بحوث الجامعات، فالانطباع بأنها بحوث أكاديمية بحتة لا يمكن توظيفها.
كما أن الجامعات، تقوم بأبحاث ودراسات وبرامج محاكاة معتمدة على بيانات يجري اختيارها عشوائيًا، ولم تحصل عليها بصورة دقيقة من المؤسسات الإنتاجية، ما يعد معوقا للجامعة التي تسعى لأن تكون منتجة.
وفي نظرة تفاؤل وفق الكراسنة، فمراجعة هذه المعوقات والبحث عن أخرى، والتعمق بدراستها وتحويلها لفرص قابلة للتنفيذ، يسهم بتطبيق نموذج الجامعة المنتجة، وفي نظرة سريعة لبرامج هذه الجامعات، يلحظ بأن كثيرا منها ربما يكون أرضية خصبة لاستثمار هذا النموذج وتحقيق الإنجاز المأمول.