"غيمةٌ يتدلّى منها حبلٌ سميك" مجموعة قصصية لأماني سليمان

عزيزة علي

عمان- تقول الدكتورة أماني سليمان إنها ذهبت في مجموعتها القصصية الجديدة "غيمةٌ يتدلّى منها حبلٌ سميك"، الصادرة عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع، إلى مغامرة سردية جديدة، تقترب فيها من الذات البشرية حدّ التماهي وتبتعد فيها نحو الكون والوجود حدّ الانفصال، وما بينهما يحدث الاشتغال السردي بمبضع الجرّاح الذي بات يعرف كيف يمكن إعادة تشكيل الجرح بما يجعل ألمه مقبولا وممتعا.اضافة اعلان
وتضيف سليمان، في حديثها لـ"الغد"، أنها بعد مجموعات قصصية ثلاث هي: "شخوص الكاتبة"، "سمّه المفتاح إن شئت"، "جوار الماء"، اتخذت في هذه المجموعة الجديدة منحنى مباينا لمجموعاتها السابقة، على مستوى الشكل والمضمون، مشيرة إلى أنها في هذه المجموعة قد جنحت إلى القبض على رؤى تميل إلى تأمل الوجود على نحو صارخ، ومحاكمة الحياة ومحاولة تجريدها من أقنعتها، ونزع الزيف الذي يغلفها فيغطي باستمرار على حقيقتها، مبينة أنها لا تدّعي كشف الحقيقة؛ فالحقيقة نسبية ولا تقوم إلا على ميزان متأرجح يكتسب معاييره من معايير البشر الذين يحاولون معاينته.
وهذه المجموعة، كما تشير سليمان "لا تصلح فيها القصص للقراءة الواحدة؛ إذ تبدو القراءة الأولى صادمة ومخلخلة للعادي والمتعارف عليه، وتبدأ الستارة بالانزياح عند تقبُّل القارئ التعاقدَ مع القصة ومقاربتها بِرَوِيّة وعبر إقامة مقايضة بين القارئ والنص؛ فإذا منح القارئُ القصةَ صبره منحتْه المتعة السردية وكشفتْ له عن المغلّق والمستور".
تتألف مجموعة "غيمة يتدلّى منها حبلٌ سميك" من ثلاث عشرة قصة؛ فإلى جوار القصة التي جاءت عنوانا للمجموعة، نجد العناوين الآتية: نايُ القحط، سلالم البَوح، أرغفة الخوف، ذراعٌ تحُفُّ بها الغيوم، مِقصّ الشجر، نافذةٌ وحيدةٌ عالية، شجرةُ الزينة الشوكية، عينُ الجرذ عين الطائر، بيوفيليا، فطيرة سوداء وامرأة مبصرة، فتى اللوحة، وتمائم خابية، وقد جاءت المجموعة في قرابة المائة وعشرين صفحة من القطع المتوسط، بغلاف للفنان زهير أبو شايب.
تقول سليمان إن "غيمة يتدلّى منها حبلٌ سميك" هو عملٌ سردي إبداعي يذهب إلى مناطق النفس الغائرة في جانب منها، فتُجلّيها بوصفها الوجه الآخر للكائنات البشرية، كما تعمد إلى كَشْفِ المسكوت عنه في حياة الناس والأفراد، ونزْعِ الأقنعةِ عن الوجوه ليظهر منها البائس والحزين والطيب والمخذول والمحبط، ولتظهر طبقات الحياة المستورة والمتوارية في الأزقة الواقعية أو الأزقة النفسية والروحية.
وتشير سليمان إلى أن في قصص هذه المجموعة مواجهة لفواجع البشر، وأنينهم، وخوفهم، وصراعاتهم مع وجودهم ومع الطبيعة ومع الذات ومع المجهول ومع المنطق ومع اللامنطق والماورائيات، وفيها يعاد تعريف الكثير من المفهومات التي استقر الناس أو اصطلحوا على تقبّلها بدون جدل أو إعمال فكر، ولا يبدو العالم في هذه المجموعة ورديا، بل هو عبارة عن "كابوس مريع لن تَكُفَّ فيه عن اللهاث المتواصل الموجع، وكلما ظننتَ أنكَ وصلتَ ستكتشف أنّ الدرب يمتد بلا نهايةٍ سعيدةٍ أو آمنة".
وتبين القاصة أنها تلتقط معظم قصصها من التفاصيل العادية واليومية والمألوفة، وتحيلها إلى مشاهد فيها من الغرائبية والفنتازية الكثير، وفيها الكثير من اعتماد المفارقات كأداة للتنوير ومفاجأة القارئ وكسر توقعه فضلا عن السخرية المرة اللاذعة، كما ترصد العلاقات الإنسانية المتشابكة والمعقدة.
تضيف سليمان أنها تحتفي بالمهمّشين، والبطل في هذه المجموعة هو من المهمشين غالبا، كما تعتني بالأحلام والذات والخيال والواقع، وتغتني مجموعتها بمضامين ورؤى متنوعة بحبكات متعددة بإطار رمزي حينا، وبأساليب سردية تتواءم والرؤى المطروحة حينا آخر وتمنح السرد إمكانية للتأويل بمستوياته المتعددة.
وتقول القاصة، إن الكثير من قصصها استلهمتها من القضايا الإنسانية والفلسفية الوجودية العابرة للثيمات فضلا عن القضايا الاجتماعية والمجتمع المحلي، والثقافة المحلية، كما تستلهم الأمكنة المألوفة، وعوالم الريف والطبيعة، ومفردات المدينة متمثلة في مدينة عمّان وجبالها وتفاصيلها، وتحوّلات هذه المدينة وتبدّلاتها العمرانية والاجتماعية، حيث تتحول جميعها إلى مادة حكائية مشوقة.
وحول المسافة بين المتخيل والواقعي، تقول سليمان: "تبدو المسافة في هذه القصص وهمية مخاتلة، لا يمكن ضبطها بمعيار ممسوك؛ فثمة تماهٍ بين الواقعي والمتخيل حتى لا نعرف غالبا الخطّ الفاصل بينهما، من الواقعي ألتقط الفكرة أو المعنى أو الغاية أو الإحساس، ومن المتخيل أُأَثّث القصة على مستوى الشكل والبنية وأغذّيها بما لا يمنحه الواقع غالبا من فنّ وجمال، فالقصة لا ترصد حدثا واقعيا بعينه وآلية وقوعه فعليّا، لكنها قد تقبض على دخان الواقعي وانبعاثاته النفسية وما يتركه في الروح من التباسات لا يستريح الكاتب منها إلا حين يعيد خلقها وعجنها على هيئة الجنس الأدبي الذي يعشقه".
ويذكر أن الدكتورة أماني سليمان أستاذ مشارك في جامعة البترا، وتشغل منصب رئاسة قسم اللغة العربية وآدابها، وهي حاصلة على درجة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها من الجامعة الأردنية، عملت في الصحافة الثقافية المكتوبة، أعدت وقدمت برامج إذاعية ثقافية، صدر لها عدد من المؤلفات القصصية والنقدية في مجال القصة صدر لها "جِوارُ الماء"، "سمّه المِفتاح إنْ شِئْت"، "شخوص الكاتبة"، في مجال النقد صدر لها "الأسلوبية والصوفية: دراسة في شعر الحسين بن منصور الحلاج"، "الأمثال العربية القديمة: دراسة أسلوبية- سردية- حضارية"، وحصلت مجموعتها "جوار الماء"، على جائزة خليل قنديل للقصة القصيرة للعام 2018 التي تمنحها رابطة الكتّاب الأردنيين، وهي عضو الهيئة العامة لرابطة الكتاب الأردنيين، وعضو الهيئة العامة لنقابة الصحفيين الأردنيين، وعضو جمعية النقاد الأردنيين.