فارس شرف

يسجل تاريخ السياسة الأردنية حالات نادرة يستقيل فيها المسؤول، مقابل كثرة كاثرة تتحول إلى المعارضة عقب خروجها من المنصب. مع أن أبسط أخلاقيات العمل، سواء كان في السياسة أم في شركة، هو تحمل المسؤولية أو الاستقالة. الوحيد المعفى من المسؤولية هو من يعمل في السجن ويخضع لإرادة السجان.اضافة اعلان
في قضية الكازينو شاهدنا كيف تنصل المسؤولون في كل الحكومات، وكأن الرخصة منحت في جزر الباهاما وليس في أروقة الحكومة الأردنية. ولم نر استقالة لوزير ولا لمن هو دونه احتجاجا على منح الرخص.
ومن أطرف ما حصل أن رئيس الوزراء نادر الذهبي الذي فجر القضية بعد توليه المسؤولية، عقب حكومة البخيت، كان قد وقع على رخصتين من قبل، مرة بوصفه وزير مالية بالوكالة، ومرة بوصفه رئيسا للمنطقة الخاصة في العقبة!
في المقابل، ومن المرات النادرة، استقالت في الثمانينيات وزيرة الإعلام ليلى شرف. ويبدو أنها ورثت الجين لنجلها فارس شرف، فاستقال أيضا من البنك المركزي. ولم تقدم الحكومة ردا على الاستقالة أو الإقالة. فمنصب كهذا لا يترك عقب شهور إلا لأسباب تستحق المناقشة أمام الرأي العام. وهو عالميا مثل مناصب القضاء تضمن الاستقرار والاستقلالية، نظرا لحجم الضغوط والإغراءات التي قد يتعرض لها من الحكومات أو البنوك أو الرأي العام.
لم يتول الشريف فارس شرف المواقع التي تبوأها بعد مظاهرات تطالب به، ولا انتخابات، وإنما كان خيار الدولة. عيّن في مواقع اقتصادية حساسة ثقة بقدرته وكفايته وأمانته ونزاهته. وجرب في مناصب ونجح فيها. وظل ينظر إليه بوصفه شابا واعدا مؤهلا للارتقاء الوظيفي. وبعيدا عن منطق التوريث السياسي، كان إرثه العائلي من الأب الشريف عبدالحميد شرف والأم ليلى رصيدا إضافيا له.
بحسب استطلاعات الرأي، فإن الثقة في هذه الحكومة وما سبقها في محاربة الفساد ظلت متدنية. والحكومة بحاجة إلى وجود فارس لا إلى استقالته. واليوم يُلقى  مزيد من السهام على جسد الحكومة المنهك. وما هو أخطر من ذلك أن أزمة الثقة لا تمس قضية عابرة، وإنما العمود الفقري للدولة، وهو البنك المركزي الذي ظل مؤسسة مستقرة بعيدة عن الأهواء والتجاذبات.
يحتاج الرأي العام إلى إجابات عاجلة، تماما كحاجة مجتمع المال والأعمال. تلك الاستقالة أهم بكثير من استقالة الحكومات. ونريد أن نعرف بوضوح وصدقية لماذا استقال أو أقيل. وإن خسر موقعا عابرا فقد كسب ثقة الناس، وهو ما تفتقده الحكومات.