"فتاة المصنع": عندما يجتمع الكبرياء والحب والظلم

مشاهد من فيلم "فتاة المصنع"- (أرشيفية)
مشاهد من فيلم "فتاة المصنع"- (أرشيفية)

إسراء الردايدة

عمان- في المشهد الختامي من فيلم "فتاة المصنع" للمخرج المصري محمد خان، ترقص بطلته "هيام"، بنشوة عارمة، فرحا أو انتصارا وحتى كبرياء وبذات الوقت ألما.اضافة اعلان
وبالعودة لبداية الفيلم الذي عرض في إطار فعاليات الدورة الـ 20 من مهرجان الفيلم الفرنسي العربي، يقدم خان متعة بصرية ذات محتوى، وبأداء حيوي لبطلته ياسمين رئيس، وبنفس الوقت يعكس الفيلم حكايات مختلفة لفتيات في عمر الشباب وهمومهن وأحلامهن، التي تتكسر على عتبات الواقع والمجتمع وتقاليده.
ففي حي شعبي، فتيات عاملات في مصنع للملابس تدور الأحداث موزعة بينه وبين الحارة الشعبية بزقاقها الضيقة، وربما في أفقها برغم اكتظاظها بالسكان.
شخصيات الفيلم عوالم حية تحمل مشاعر تمر بحيواتهم وتسيطر على كل شيء، وتتفاعل أجواؤه مع إهدائه لروح سعاد حسني التي حضرت بصوتها وأغانيها في أجواء العمل بمجمله.
هيام، التي تعيش مع أمها وأختها وزوج والدتها في حارة شعبية تقع في غرام مشرف المصنع الجديد "المهندس صلاح"، ولعب دوره هاني عادل، لتقع ضحية أقاويل تصل لحد اتهامها بالحمل غير الشرعي، وميلودراما لا تنتهي.
من خلال فتيات المصنع، اللواتي تحملن أحلاما وعواطف، ولكنهن يعانين من حرمان عاطفي وكبت، في مجتمع ينظر للفتاة التي لم تتزوج حتى سن 21 عاما بأنها عانس، كل واحدة منهن تنسج قصصها وحدها وحاجتها للزواج تنبع من نظرة وتقاليد مجتمعية، إلى جانب احتياجاتها العاطفية والنفسية، وتنعكس مغازلتهن للمشرف الجديد الأقل فقرا والأكبر سنا.
وهنا يلتقط خان تلك التصرفات وحياة الفتيات في العمل والحارة الشعبية في عالمهن وخوفهن من النظر إلى الأعلى، رغم كل الأحلام، إلا أن الخوف من تحطم أشرعتهن على ضفاف الواقع يبقيهن في مساحة محددة لكل ما يرغبن به.
 ويحمل الفيلم روحا وصورة رائعة هي عادة مرتبطة بأجواء يعرف بها المخرج، حيث يلتقط حيوية بطلة فيلمه "هيام"، ودعوة للحب والحياة، فيما أغان بصوت سعاد حسني في الأجواء، تعكس الحب والرغبة بتحقيق أحلام بسيطة وسط الفقر والقهر في تلك العشوائيات.
بالرغم من كآبة القصة، إلا أن التفاعل بين بطلات الفيلم في المصنع والحي وخلال تناول الطعام يعكس الفكاهة بالرغم من كل التناقضات، ففي عالم الفتيات تدور حكايات البنات وأحلامهن التي تتصادم مع العالم الذكوري وفوقيته وسطوته، وكيف ينظر للفتاة واستعداده لسحقها وتطويعها له.
وهذا يظهر من خلال العلاقات في الفيلم بين "أم هيام" عايدة ولعبت دورها الممثلة سلوى خطاب وزوجها وهو ابن عمها، فهي تكبره بالسن، ولكنها تبذل ما في وسعها لتبقى شابة وأنثى بنظره، لكنه يثور عليها بعد فضيحة هيام المفتعلة ليمارس سلطته في رد الاعتبار والشرف.
كما يقدم الفيلم صورة أخرى لذلك الرجل الذي يستغل المرأة المطلقة كما حدث مع خالة هيام  "سميرة" ولعبت دورها ابتهال الصريطي، فهي تقاوم الوقوع في الحاجة للعاطفة والحنان حتى النهاية وسط استغلال ومحاولات استمالتها من قبل رب عملها، ولوم سكان الحارة لها لكونها مطلقة بدون رجل تقف وتعمل حتى وقت متأخر وسط ركام من الإشاعات التي تطالها بسبب هذا.
أداء مميز
"هيام" التي تقوم بدورها الممثلة ياسمين رئيس، نالت عنه جائزة أفضل ممثلة في مهرجان "دبي السينمائي"، ولعبت دور فتاة تعشق الحب وليس الرجل، مفعمة بالحرية والكبرياء، تثور على المجتمع بعاطفتها. تعابير وجهها تظهر انفعالاتها ومشاعرها بتلقائية، فيما عيونها تفضح ما يكمن في قلبها من خلال دورها.
بينما الأم وحتى الخالة والصديقة المقربة عكسن فئات مختلفة من عوالم النساء في تلك الأحياء، وصورن واقعا يكبت كل ما فيهن ويحرمهن من التعبير وسط التقاليد والأعراف.
الفيلم تتأجج قصته مع وجود جهاز فحص الحمل المنزلي الذي ينسج حكايات تقود هيام لحبل المشنقة، من خلال إشاعات واتهامات مبنية على كيد النساء وواقع الغيرة والكبت في مجتمع مغلق.
وتواجه هيام مع هذا الاتهام التهميش والتعذيب بصور مختلفة، حتى ينتهي بها المطاف إلى أن تلقي بنفسها من الشرفة كمحاولة للانتحار.
وكان للتفاصيل الدقيقة، التي أولتها كاتبة السيناريو وسام سليمان في الفيلم، دور في نسج تلك الإشاعة التي أدت للنهاية والفشل.
"فتاة المصنع"، قد يكون قصة مستهلكة في واقعنا اليومي، لكن محمد خان جعلها وكأنها مختلفة وجديدة، فحيوية المشاعر وسط الضغوطات التي تزحف من كل جانب لم تفلت من الفيلم، فهي قصة تملأ بإيقاعها كل مشهد حتى النهاية التي تختتم بتحرر هيام بالرقص بحرية.

[email protected]

Israalradaydeh@