"فتح" الحركة والتنظيم

بانعقاد المؤتمر السابع لحركة "فتح"، تكون صفحة جديدة من تاريخ الحركة قد بدأت. هذا بغض النظر عن عمق الخطوات أو التغييرات التي قد يفرزها أو لا يفرزها المؤتمر. ولا شك أنّ لهذا المؤتمر أثرا في المشهد السياسي الفلسطيني ككل. وإذا كان انعقاد المؤتمر أثار جدلاً، سواء من حيث هوية أعضائه، أو من حيث المتوقع منه، فإنّ نقاش جدلية يمكن تسميتها بأنها "العلاقة بين "فتح الحركة" و"فتح التنظيم"، ربما يكون مدخل الإجابة عن تساؤلات كثيرة.اضافة اعلان
المتابع للقاءات والحوارات الفتحاوية، والتي تتسم كما دائماً بطابع العلنية، وبأنها إلى حد كبير مفتوحة للمتابعين، يلحظ أنّ موضوع مشاركة العضو السابق في الحركة محمد دحلان، وأنصاره، في المؤتمر، لم يحتل أي هامش يذكر في النقاش في أروقة "المؤتمرين".
كانت هناك احتجاجات وعتب من قبل مئات، وربما آلاف الأشخاص، الذين يعتقدون أنهم أصحاب حق في عضوية المؤتمر، من نوع أسرى محررين أمضوا في المعتقلات ربع قرن أو أكثر، أو أشخاص لهم ماض عسكري ونضالي حافل. لكن يستبعد أن يكون لذلك آثار عميقة مباشرة على وحدة الحركة.
إلى ذلك كان السؤالان الأساسيان اللذان يمكن استنتاجهما من متابعة حوارات مختلفة، في الندوات واللقاءات التي تجري على هامش المؤتمر، هما: هل سيجري تجديد "شباب" الحركة وبناها القيادية؟ والثاني، هل تُعاد صياغة العلاقة بين "الدولة/ السلطة" الفلسطينية والحركة، بما يعيد للحركة وجهها الشعبي؟
كانت الفكرة الأساسية من تأسيس "فتح" باعتبارها حركة، هو أنّ الحركة تختلف عن الحزب، وحتى عن الجبهة، وتسمح بتنوع كبير داخلها، بعيداً عن الالتزام الأيديولوجي والفكري. وكان المنطق أن الخلافات الحزبية والأيديولوجية تصلح أو جائزة عندما تتأسس دولة مستقلة. وقد مضى التنوع الفكري والأيديولوجي في الحركة إلى مدى غير مسبوق، حتى إنّ "فتح" تحولت لتيار/ حركة، مع أن كثيرا جداً من الفتحاويين كانوا لا ينتمون لها تنظيمياً؛ أي إنهم يرتبطون بأفكارها، وبرامجها، وشعاراتها، ونشاطاتها، وبإرثها النضالي والوطني، من دون التزام تنظيمي.
من هنا فإنّه وفي العشرين عاما الأولى من عمر الحركة، كانت مؤتمراتها العامة صغيرة، ولم يكن هناك تنافس على العضوية في المؤتمر، خصوصاً أنه كانت هناك قيادة تاريخية لها شرعية ثورية، وكانت أغلب حالات الانشقاق والابتعاد تأتي برعاية نظام عربي أو آخر، وسرعان ما يجري "تنفيس" الانشقاق حتى الاضمحلال، حتى بات "الجميع" يدرك أنه لا يمكن أن تنشق "فتح"؛ ليس بسبب الولاء لها، أو بسبب الالتزام بقيادتها، ولكن لأن عضويتها فضفاضة، وغير مركزية، وغير مؤسسية، فضلا عن قدرتها على تجديد نفسها.
إلا أن هذا الأمر تغير إلى حد كبير، مع نشوء السلطة الفلسطينية. فمن جهة، صار هناك خلط بين الرسمي والحركي الشعبي. وما زاد الأمر تفاقماً، أنّ السيطرة على أجهزة السلطة، وخصوصاً الأمنية، باتت سبيلاً لتحقيق النفوذ والانتشار. فمثلا، في المؤتمر السادس، العام 2009، فاز عدة قادة سابقين في أجهزة الأمن بعضوية اللجنة المركزية.
هناك في أروقة المؤتمر الحالي من يدافع عن الربط بين المؤسسة الرسمية والحركة. في المقابل، هناك من يدافع بشدة عن الوجه الشعبي للحركة، وبضرورة الفصل بينهما.
من المفارقات أنّ العالم جميعه، تقريبا، يتجه لأفكار كانت في صلب أطروحات "فتح" القديمة؛ من نوع تقليل اعتماد الأيديولوجيا، وتراجع الحزبية، والتركيز على المبادرات الفردية، بعكس "فتح" التي تتجه نحو التنظيم والمركزية والبيروقراطية.
ليست المشكلة في "فتح" وفي الأداء الفلسطيني عموما؛ هي فقط القدرة على المواءمة بين المقاوم والشعبي من جهة، والسلطوي والأمني من جهة ثانية، بل وحتى القدرة على حفظ الخيط الدقيق بين التنظيم والحركة.
أولى نتائج عدم تفهم وانتشار الفكر الحركي، أن العمل المبادر والميداني الذي كان يميز "فتح"، تراجع كثيراً جداً، لصالح بنى بيروقراطية. وهذا ينعكس في مجالات منها عدم مبادرة الأعضاء (إلا في نطاق محدود) إلى تنفيذ الخطط أو الشعارات الخاصة بالمقاومة الشعبية، هذا فضلا عن انتشار التنافس الداخلي على المواقع التنظيمية.
سيرى المراقبون الآن هل تتراجع عملية تضخيم السلطة والبيروقراطية والتنظيم على حساب الحركة وشعبيتها واتساعها، أم سيحدث العكس. وبالتالي، سيتضح أيضاً ما إذا كان هناك تجديد في شباب وبنى الحركة وفكرها؟