فتح ملف الأموال في "الأوقاف"

لم يقل لنا وزير الأوقاف السابق والنائب الحالي الدكتور محمد القضاة ما هي الإجراءات القانونية التي اتخذها عندما ادّعى على إحدى الفضائيات أن الموظف المالي لديه قدم إليه مالاً بالآلاف من الوزارة بحجة أن هذه "عادة" متبعة من قبله.. سوى أنه شتمه وأكّدَ له أنه مختلف عمن سبقه. (لا أدري ما هو موقف وزراء الأوقاف السابقين من هذا الكلام الخطير!). ومن الواضح أن الوزير السابق قد اكتفى بتأنيب الموظف، لأننا لم نعلم أنه فتح ملفَّ الأموال في وزارته، وهو ملفٌ ضخمٌ تتقاسمه أموال الأيتام وأموال الحج والعمرة، ناهيك عن المحاكم الشرعية وما يدور في أروقتها (وهذه ليست تابعةً للأوقاف).اضافة اعلان
أما حادثة الراتب الخرافي لإمام مسجد (وهي صرخةٌ مدويّةٌ ومخيفة) والتي لم نصدقها أو نعلّق عليها حتى أكَّد وزير الأوقاف الحالي صحتها، فهي تشي بأكثر مما هو راتبٌ لموظف، إلى أن ثمّة ما يريب وما يخيف، وهو "التمويل الأجنبي" الذي يرعى تفقيس السلفية الجهادية التي لم يعرفها الأردن إلا بعد أن فُتحَت أبوابه على مصاريعها على المجتمع لتسليفه وتغيير هويّته، وتحويل كثير من العاملين في المؤسسة الدينية من منادين بالأخلاق والتدين اللطيف، إلى أشخاصٍ تكفيريّين يحضّون على الكراهية ونبذ الاختلاف، وعلى مفاهيم الجهاد التي لا تناضل ضدّ الصهيونية، بل ضدّ العرب والمسلمين وضد البشريّة!
على الدولة الآن، وليس وزارة الأوقاف فحسب، أن تفتح ملفّ الأموال التي تتداولها المؤسّسة الدينيّة، وملفّ التمويل الخارجي في بناء المساجد ودور حفظ القرآن والجمعيات الخيريّة والمراكز التي تحملُ شعاراً دينياً... لا لاتهامها، لا سمح الله، بل لأنَّ لغطاً كثيراً يتعاظم مع الأيام في أن ثمة من يريد لهذا البلد أن يكون صورةً للتخلف والانحطاط العلمي والاقتصادي والحضاري والتبعيّة والهزال، في جعله هدفاً لتغييب عقول أبنائه وبناته، ولكن من خلال نشر نسخة ممسوخة من الفهم الغريب للدين، قائمٍ على احتقار "العقل" وتعظيم شأن "النقل" وتكفير "الإبداع" والحض على "الاتباع"! بل إن الأمر مضى إلى أبعد من ذلك، حيث يتبنى الخطاب الدينيُّ الراهن العنف والإرهاب كآلية "للحوار" مع المختلِف في الفكر والدين والطائفة، ومن ذلك مؤخَّراً تكفيرُ الشيعة والحضُّ على قتالهم، كصدىً للمواجهة الحاصلة في العراق بين الدولة (شيعة) و"داعش" (سنة). وهو خطابٌ تجاوز المؤسّسة الدينية، وبلغ مدارس وزارة التربية، ولدينا على ذلك شواهد.
لا بدَّ من طمأنة الشعب الأردنيّ إلى أن تمويل الجوامع ومدارس القرآن تمويلٌ نظيفٌ ليس من أجندات وراءه، وأن القائمين عليه يزرعون حب الوطن والمواطنة في نفوس روادها، وأنهم ضدّ خطاب الكراهية وضد العنف والتكفير، طالبين من وراء ذلك "رضى الله" لا أجوراً خياليّة ولا قصوراً إلا في الجنة. كما لا بدّ من طمأنة الشعب إلى أن وزارة الأوقاف والمؤسسات الأهلية التي تدّعي أنها تنطقُ باسم الدين، ليست دولةً داخل دولة.
وعلى ذلك نعقد الأمل!