فتح هل تريد الحوار بالفعل؟

السياق الذي جاءت به الأزمة الأخيرة بين حركتي فتح وحماس يظهر أن ممثلي فتح في اللقاء بين الحركتين كانوا ينتظرون وكأنهم على موعد مع أنباء قادمة عن اعتداءات حماس على عناصر من فتح تبين أن العكس هو الذي حدث، فقد هاجمت مجموعة من فتح كوادر حماس وقتلت اثنين منهم، وسواء كان الحادث مفتعلا أم انفعاليا فهو في خدمة مشروع فتح لإفشال الحوار وإفشال حكومة حماس ومنعها من النجاح، وهذا ليس جديدا في الأزمة، ولكن الجديد أن فتح تسابق الزمن لتمنع حركة حماس من كسر الحصار.

اضافة اعلان

يتصرف قادة فتح وكأنهم يجب أن يحتكروا العلاقة مع أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل، وهم بالطبع يدركون أن مفتاح كسر الحصار يبدأ بتفاهم حماس مع الغرب ويجب برأيهم ألا يتم ذلك ولو بالحرب الأهلية، وهكذا فقد تحولت حركة فتح إلى أكبر قوة حصار على الحكومة الفلسطينية المنتخبة وأقحمت العملية السياسية في عملية انتحارية "علي وعلى إخواني" برغم أنها كانت تملك ولاتزال تملك فرصة تاريخية وعظيمة جدا لعقد صفقة مشاركة مع حركة حماس فتحصل على مصداقية وتأييد فلسطيني وشعبي عربي وإسلامي يعيد ولعقود مستقبلية وهجها التاريخي وينقذ تجربتها النضالية والسياسية، وتستطيع هي في الوقت نفسه أن تكون قوة حاسمة في كسر الحصار وإنقاذ الحالة الفلسطينية بدلا من هذا السلوك الذي تلخصه مقولة: إما الحصول على كعكة السلطة كاملة أو تدميرها فلا يحصل عليها أحد.

تملك حركتا فتح وحماس اليوم فرصة لتحقيق مشروع سياسي عظيم سيمتد نجاحه من فلسطين إلى الوطن العربي بأسره، وهو إقامة حياة سياسية ديمقراطية قائمة على مشاركة فاعلة للنخب السياسية التقليدية والحركات الإسلامية الصاعدة والتي تملك تأييدا شعبيا وانتخابيا يبدو أن مواجهته بالوسائل السياسية والأمنية السابقة لا تعدو كونها لعبا في الوقت الضائع.

ليس لدي أوهام أو أفكار كبيرة حول المشاركة السياسية للحركة الإسلامية، ولكن القيمة العظمى لمشاركتها هي في إطلاق الديمقراطية السياسية والاجتماعية لتطور المجتمعات خياراتها، ولأن المجتمعات ستبقى متوقفة حتى تصل الحركة الإسلامية إلى الحكم، ولن تقبل بتجاوز هذه المسألة لتشارك بالفعل وبجدية في العملية السياسية متجاهلة نداء الغرب والنخب واشتراطاتها باستبعاد الحركة الإسلامية ديمقراطيا.

ولكن ما الذي سيحدث لو تركت تجربة حماس لتأخذ مداها وتتفاعل مع العملية السياسية والاجتماعية الجارية في فلسطين والمنطقة بعامة؟ إن حركة حماس بانغماسها في مقاومة الاحتلال ومواجهتها الحقيقية والفعلية منذ سنوات طويلة لحاجات الشعب الفلسطيني المعيشية واليومية هي أكثر الحركات الإسلامية في الوطن العربي قدرة على تطوير المشاركة السياسية للحركة الإسلامية نحو مواقف واقعية وناضجة، لأن مسألة العلاقة مع الغرب وإسرائيل وإدارة الحياة اليومية للشعب الفلسطيني تشكل بالنسبة لها متطلبا كبيرا وملحا يتوقف عليه مصير الشعب الفلسطيني والأسرى والمؤسسات التعليمية والصحية، وبالطبع النجاح السياسي والعملي لحكومتها المنتخبة، ولأن فشلها أيضا ليس مجرد تبدل في اللاعبين السياسيين كما يجري في تركيا وإيران على سبيل المثال (ليس لدينا للأسف الشديد مثال عربي على تداول السلطة) ولكنه سيكون انحسارا اجتماعيا وطبقيا هائلا في تركيبة وبنية المجتمع الفلسطيني وقياداته.

وإذا كانت فتح والدول العربية تجد بالفعل مشكلتها مع حماس في مواقفها السياسية فإنها تستطيع أن تفعل الكثير لتعدل من مواقفها ولكن بمساعدتها في الوقت نفسه على تجاوز الحصار والاندماج في العملية السياسية، وبخاصة أن حركة حماس لا تبدو تحمل السلم بالعرض، وبالعكس فإنها تبدي استعدادا كبيرا للتفاوض والمرونة والتغيير في برامجها ومواقفها، ولكنها تدرك وفق المعطيات الراهنة أنه لن يفيدها تعديل مواقفها، وأن العالم ليس جادا في الحوار معها أو في طلبه تغيير مواقفها، ولا يريد منها سوى "الانتحار"

[email protected]