فشلت آخر وساطة بين حركتي فتح وحماس، كما فشلت من قبل مائة وخمسون وساطة، واحدة منها كانت في صحن الحرم المكّي، وستفشل أيضاً ألف وخمسمائة وخمسون وساطة لاحقة في حيّ الحسين المبروك وسط القاهرة. هذه ليست قراءة سريعة في الغيب، ولا تحليلاً سياسياً من وراء نظارة سوداء، وليست أيضاً أمنية كيديّة من طرف ثالث يفرك يديه هناك في زاوية الشرّ.
الذين يظهرون بقيافة سوداء "وراء الخبر" في "آخر ساعة" على قناتي الجزيرة والعربية لديهم تفسيرات كثيرة للسؤال الفلسطيني والعربيّ عن السبب والأسباب التي تمنع "المصالحة". الإجابات كلها سياسية صرفة، وعند العجز تُحال إلى صراع الوجود. كان على الفضائيتين أن توفرا الإضاءة والطاقة الصوتيّة والزبد لقضايا قابلة للحل، فالخلاف بين فتح وحماس ليس سياسياً ولا أيديولوجياً هو: عداوة وعِداء وبِغْضَة وبغضاء.
.. وهو أيضاً مثل صراع قبَلي نشأ بسبب سقوط ماء الغسيل في غير مكانه، وخصام شقيقين حتى سابع حفيد لأنّ كِنّتين اختلفتا على ملكيّة قِدر النحاس، وهو تناحر قريتين منذ مائة سنة على غصن زيتون عابر للحدود الحجرية، وثأر طويل في الصعيد الجوّاني كانت شرارته خلاف على مسار روث البقر، وهو بغض الزمالك للأهلي، وبغضاء الهلال للنصر، ولو في مباراة تحت مسمّى الودّ.
وهو المشاجرة التي تُفتعل على أولوية السير في شارع مغلق مطوّق بشرطة "مُعادية"، والعراك اليومي على الهواء الحُرّ الذي يمرُّ من نافذتين لمنزلين بالإيجار الشهري، وهو صراع شقيقين على حظِّ الأنثيين من تركة منظورة في محكمة طويلة البال، وحوار في الاتجاه المعاكس بالألسن والأيدي على "ولادة" البيضة، وهو عداوة الشمال للجنوب.. وعِداء الشرق للغرب، ولو في مؤتمر لغوي لتفسير المحبّة.
وهو أن تصحو كارهاً، وتتكلم تأففاً، وترى سواداً، وتشمُّ سحب كآبة، وتنظر للكأس فلا يهمك إن كان مليئاً أو فارغاً، وهو أيضاً أن تغضب من وجه تراه في المرآة، وجه يستفزك بإشارة نابية، وبحاجبيه ولسانه، وكان يمكنكَ أن تسدّد له لكمة قاضية، أو تذهب لشأن آخر أكثر أو أقل أهمية، أو أن تستدرك فتقرأ ملامحه جيّداً، ربما رأيته من قبل!
هذا ما لم يقله الذين يظهرون بقيافة سوداء "وراء الخبر" في "آخر ساعة" على قناتي الجزيرة والعربية لتفسير خصومة فتح وحماس. فقد أهدرت مياومات الضيوف، وتذاكر السفر باتجاهين، وتبدّدت الطاقة الضوئية، وفاض الزبد في حديث سياسي صرف عن فصيلين، ومكوّنين سياسيين، ورايتين صفراء وخضراء، ومرجعيّتين، بينما كان من الأولى تبسيط الأمر، ومنحه خفّة ضرورية، واقتصار الجدل في كيفية الإصلاح بين الضرائر!