فتيات يعلن تحدي "البطالة" بمهن استثنائية

figuur-i
figuur-i

منى أبوحمور

عمان- نجحت المرأة في اقتحام العديد من المهن التي كانت حكرا على الرجل، بكسر ثقافة العيب وفق معتقدات لم تعد تغني وتسمن من جوع، وأبسطها تأمين عشاء لأسرة مكونة من 7 أطفال جياع، كما هو حال الخمسينية أم طارق التي اتخذت من بيع الكعك والمشروبات الساخنة وسيلة تأمين قوتها اليومي لأفراد عائلتها.
على الدوار السادس في العاصمة عمان، اتخذت أم طارق زاوية على الرصيف ركنت عليها عربتها، وتبدأ يومها بتجهيز مبيعاتها في الصباح الباكر، ومن ثم التوجه للمكان لكسب الرزق.
رفضت الخمسينية أم طارق، على حد قولها، أن تمد يدها للناس، أو أن تبقى أسيرة لما تجود به أنفس بعض الأقارب، إلى جانب بضعة دنانير تتلقاها من صندوق المعونة الوطنية، والتي لا تكاد تكفي مصروف أسبوع واحد فقط من الشهر، وفق قولها.
تقول "يعمل زوجي بالأعمال الحرة، يعمل يوما ويقعد عشرة.. والبيت المفتوح يتطلب مصاريف كثيرة"، لكنها تحدت رفض إخوتها وأقاربها الذين لم ترق لهم فكرة عمل أم طارق، فمن وجهة نظرهم هذا العمل ضد العادات والتقاليد بتعليقهم "هل تودين الفضحية لنا؟".
في حين يئست هبة من البحث عن وظيفة والذهاب إلى مقابلات التوظيف بدون جدوى؛ إذ رأت أن عمرها يمضي بدون أن تحظى بفرصة عمل تمكنها من تأمين دخل، تنفق من خلاله على نفسها وتسهم في مصاريف أسرتها.
الثلاثينية هبة وجدت تطبيق النقل "أوبر" ملاذا لها لإيجاد فرصة عمل تتمكن من خلالها من تنمية مهاراتها وإيجاد دخل يساعدها على مصروفها الشخصي، وتأمين احتياجات عائلتها، إلا أن الأمر لم يكن سهلا، فإلى جانب رفض أفراد أسرتها لم تجد في البداية إقبالا من مستخدمي التطبيق الذين كانوا يميلون للسائقين الرجال.
تقول "لم أشعر باليأس، ولم أستسلم لأفكار من حولي، الذين يرون في كل شيء عيبا، وقررت أن لا أجعل سنين عمري رهينة لديوان الخدمة المدنية، أو انتظار وظيفة ربما لن تأتي"، مبينة "فلم يكن الأمر سهلا في البداية"، إلا أن عزيمة هبة وإصرارها على العمل كانا سبيلها للعمل وإثبات ذاتها وتحقيق دخل يكفيها وأسرتها.
مع فجر كل صباح تستعد هبة لركوب سيارتها، وتمضي بجد وعزيمة لبدء يوم جديد تحصد فيه رزقا جديدا، متجاهلة أسئلة من المحيطين بها، وحتى مستخدمي التطبيق الذين يقتحمون خصوصيتها بالسؤال.
لا تنكر هبة أنها شعرت بالحرج في أحيان كثيرة، حتى أصبحت من أكثر "الكباتن" المطلوبين من مستخدمي التطبيق.
وتعلق هبة "كنت أفرح كثيرا عندما أرى إقبال الفتيات على الركوب معي دون غيري"، حتى أن معظم المجموعات السياحية كانت توكل إلي مهام تنقلاتها في عمان والمحافظات الأخرى.
هبة وأم طارق وغيرهما من النساء اتجهن للعمل بمهن جديدة، وأسهمن في كسر الصورة النمطية للنساء، في مجتمع محافظ؛ إذ تمكن من رفع نسبة مشاركتهن في سوق العمل التي لم تتجاوز 14 %، وفق الإحصائيات الأخيرة.
وعلى خرطوم البنزين في إحدى الكازيات في محافظة البلقاء تقف غادة التي تحمل درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال متحدية "ثقافة العيب"، رامية وراء ظهرها الانتقادات كافة التي انهالت عليها من أبناء منطقتها والمجتمع بشكل عام الرافض لعمل المرأة في هذه المهنة.
تقول "من حقي أن أعمل في المهنة التي أجدها مناسبة ما دامت بيئة العمل مناسبة وآمنة"، فبالرغم من حصول غادة على شهادة جامعية، إلا أن إيجاد فرص العمل ليس "سهلا"؛ إذ تبلغ نسبة البطالة، وفق إحصائيات وزارة العمل، 19.1 %.
واجهت غادة انتقادات كبيرة، حتى نظرات الناس القادمين لتعبئة البنزين لم ترحمها، إلا أنها لم تكترث لكل تلك التفاصيل، وقررت أن تكسر تلك الصورة النمطية لعمل المرأة.
وتوضح "بعد عملي في الكازية أعنت عائلتي، ووقفت إلى جانبها والحمد لله نعيش حياة كريمة لا نحتاج أحدا"، وتتابع "هذه المهنة كغيرها من المهن، تتطلب الكفاءة والأمانة، والعمل متاح للجميع ومن حق الجميع".
ومن جهته، يشير أخصائي علم الاجتماع التربوي الدكتور عايش النوايسة إلى أن المرأة الأردنية أسهمت وبشكل كبير وإيجابي في التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي مر بها المجتمع الأردني، وقد كانت شريكاً رئيسياً للرجل في الأعمال الإنتاجية كافة من خلال ممارستها جميع الأعمال الزراعية عندما كان النمط الريفي والزراعي هو النشاط الأساسي للمجتمع الأردني.
ومع تطور المجتمع تطور دور المرأة، بحسب النوايسة، ودخلت وأسهمت في المجالات الطبية والتعليمية والاقتصادية والإنتاجية كافة وأصبح لها دور بارز في عمليتي التنمية والإنتاج.
وفي الفترة الحالية، وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المجتمع الأردني، وبما انعكس على دخل الأسر بشكل سلبي تظهر المرأة من جديد وتتغلب على ثقافة العيب؛ إذ نراها تمارس أعمالا في مجالات كان ظهور المرأة فيها يعد تحديا للمجتمع وعاداته، وفق النوايسة.
ويضيف "كسرت المرأة الأردنية الصورة النمطية لعملها، فنجدها اليوم تعمل في باصات نقل الطلبة، وورشات إصلاح السيارات، وغيرها من الأعمال، فهي تؤدي دورا إنتاجيا يخدم أسرتها ومجتمعها".
ويعزو النوايسة تقبل المجتمع لذلك وتغير مفهوم ثقافة العيب له إلى أن التغير الاجتماعي مرتبط بالحالة الاقتصادية، والثقة بكل من دور المرأة الاقتصادي والتنموي في المجتمع، وظهر ذلك من خلال العديد من قصص النجاح التي سطرتها السيدات.

اضافة اعلان