فجوات تشريعية وتنظيمية بمجال السلامة والصحة المهنية في مواقع العمل

رانيا الصرايرة عمان – فيما بدأت تثير حادثة العقبة كثيرا من التساؤلات حول مدى التزام المنشآت المحلية بشروط السلامة العامة، كشف تقرير عمالي صدر تعقيبا على الحادثة عن وجود فجوات تشريعية وتنظيمية في مجال السلامة والصحة المهنية في مواقع العمل الأردنية عموما. بدوره، أكد رئيس المجلس النوعي للسلامة والصحة المهنية فراس شطناوي أنه وفقا للتشريعات المحلية فإنه يتوجب على صاحب العمل توفير الاحتياطات والتدابير اللازمة لحماية العمال من الأخطار والأمراض التي قد تنجم عن العمل، وكذلك توفير وسائل الحماية الشخصية من المخاطر المهنية، وعليه أن يحيط العامل قبل اشتغاله بمخاطر مهنته وسبل الوقاية الواجب اتخاذها. وأضاف أنه ينبغي أن يتلقى العامل التدريب الكافي للتعامل مع هذه المخاطر المهنية، والتأكد من انه مؤهل لذلك، وأن تجرى فحوصات طبية أولية ودورية ومهنية وفقا لطبيعة المخاطر التي يتعامل معها العامل. وقال شطناوي إن خطورة المواد الكيماوية لا تتوقف على استعمالها أثناء التفاعل أو خروجها كمنتج نهائي أو جانبي فقط، إنما أيضاً في مناولتها وخططها وتخزينها، لذلك فإن أول خطوة يمكن أن تساهم في تخفيف الخطورة، هي معرفة هذه المواد الكيماوية من حيث خواصها الطبيعية والكيماوية ونتائج تفاعلها مع المواد الأخرى، بالإضافة الى معرفة طرق التداول والتخزين لكل مادة. وقال: “تتم معرفة مخاطر المواد الكيماوية وكيفية التعامل معها من خلال نشرة السلامة الموجودة مع كل مادة كيماوية، حيث تحتوي على محتوياتها وخواصها الفيزيائية ومعلومات حول المخاطر الصحية للمادة، والخطوات المتبعة في الحالات الطارئة، وكذلك الاحتياطات الواجب اتباعها أثناء المناولة والتخزين، بالإضافة الى ضرورة معرفة خواص المادة السمية وطرق التأثير. وبين أنه يجب على إدارة المنشأة التأكد من منع استخدام أي مادة كيماوية غير معروفة ولا تحتوي على طريقة الاستخدام الموضحة من قبل المصنع والمعلومات الضرورية. بدوره، أصدر “بيت العمال للدراسات” تقريرا حول السلامة والصحة في مكان العمل، أشار فيه إلى أن حادثة ميناء العقبة كشفت عن فجوات تشريعية وتنظيمية في مجال السلامة والصحة المهنية، سواء من حيث عدم قدرة الجهات الرسمية على فرض رقابتها على معظم المؤسسات ومواقع العمل، أو من حيث قواعد وحدود مسؤوليات صاحب العمل عن توفير شروط وبيئة العمل اللائقة والآمنة في مواقع العمل والحمايات اللازمة للعمال من أخطار العمل. وبين بأن الأرقام الصادرة عن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي تشير إلى وقوع ما معدله 14 ألف حادث عمل سنويا تتسبب في إصابات، منها حوالي 200 وفاة إصابية، بمعدل إصابة عمل كل 37 دقيقة، ووفاة واحدة كل يومين، حيث يشكل قطاع الصناعات التحويلية وقطاع تجارة الجملة والتجزئة وقطاع الإنشاءات، إضافة للقطاع الزراعي، أعلى نسبة إصابات. وتشكل الإصابات الناجمة عن سقوط الأشخاص النسبة الأعلى من إصابات العمل، يليها سقوط الأشياء، ثم الإصابات الناجمة عن أدوات العمل اليدوي، إضافة إلى الأغبرة وانبعاثات الغازات والمواد الكيماوية. ولفت التقرير إلى أن هذه الأرقام لا تعكس الأعداد الفعلية لإصابات العمل في الأردن، والتي من المؤكد بأنها “أكثر من ذلك لعدة أسباب، فالعاملون في الاقتصاد غير المنظم الذين تشير التقديرات بأنهم يشكلون ما يقرب من 48 % من مجموع العاملين في المملكة، هم في الغالب غير مشمولين بالضمان الاجتماعي ولا يتم التبليغ عن إصاباتهم”. كما أن القطاع الزراعي الذي ما زال عاملوه غير مشمولين بالضمان يعتبر عالميا الأعلى في نسب إصابات العمل من بين مختلف قطاعات العمل الأخرى، في وقت لا تزيد نسبة المنشآت المشمولة على 31 % من المنشآت العاملة، وأكثر من نصف مليون عامل غير مشمول بالضمان، يضاف إلى ذلك أن بعض المنشآت المشمولة بالضمان تعمد إلى عدم التبليغ عن الإصابات وتفضل تغطية النفقات المترتبة عليها من خلال شركات التأمين بهدف الحفاظ على ملفها نظيفا لدى الضمان الاجتماعي. وشدد التقرير على أن معايير العمل الدولية رتبت على أصحاب العمل مسؤوليات اتخاذ التدابير الوقائية والحمائية في العمل دون تكبيد العاملين أي كلف عن ذلك، وتوفير المعلومات اللازمة لهم حول سبل وإجراءات التعامل مع الوباء، كما ضمنت أن يكون للعامل حق الانسحاب من موقع العمل إذا كان تواجده فيه يشكل تهديدا حقيقيا لصحته. ويؤشر التقرير على نقص واضح لدى وزارة العمل في الكوادر البشرية المتخصصة بالرقابة على مدى الالتزام بشروط السلامة والصحة المهنية في مواقع العمل، الأمر الذي تسبب في أن تبقى العديد من المنشآت خارج نطاق عمليات التفتيش ولا تحظى بالمساعدة الفنية الكافية أو بالنصح والإرشاد الذي تقدمه الوزارة لأصحاب العمل والتوجيه الفني حول السبل اللازمة لتطوير أدائها في هذا الشأن. فلفت إلى أن المعدل السنوي للزيارات التي يقوم بها مفتشو العمل في مجال السلامة والصحة المهنية بحدود 5 آلاف زيارة، بينما يبلغ عدد المؤسسات العاملة في المملكة حسب دائرة الإحصاءات العامة (180680) مؤسسة، الأمر الذي يتطلب دعم وزارة العمل بكوادر متخصصة ومؤهلة وبأعداد كافية، واعتماد الوسائل الحديثة للتفتيش وحوسبة أعماله وتفعيل وسائل التفتيش عن بعد وبأقل عدد من الزيارات الميدانية، ووضع وتنفيذ القواعد الخاصة بالتفتيش الذاتي للمنشآت. من جهته، أكد الخبير العمالي حمادة ابو نجمة، أهمية وجود استراتيجية وطنية للسلامة والصحة المهنية لتطوير الأداء، والحد من حوادث وإصابات العمل، وضمان التنسيق الكامل بين كافة الجهات المعنية بحيث تتحمل كل منها مسؤوليات القيام بالمهام والواجبات المطلوبة منها، عملا بالمعايير الدولية بهذا الخصوص، خاصة وأن 4 % من الناتج المحلي الإجمالي يضيع نتيجة تكاليف الإصابات والإعاقات والوفيات الناجمة عنها والعلاجات والتعويضات والتغيب عن العمل. وقال أبو نجمة إنه “في ظل تعدد الجهات المعنية بالسلامة والصحة المهنية، وتنوع القطاعات الاقتصادية التي تتطلب معالجات خاصة لكل منها وسياسات وبرامج متخصصة تراعي طبيعة بيئة العمل فيها والأجهزة والآليات المستخدمة وأشكال الأخطار التي قد يتعرض لها العاملون فيها للحوادث والإصابات، فما زالت جهودنا غير موحدة، وما زالت الشراكة مع القطاع الخاص في أدنى مستوياتها”. وأشار إلى “غياب التنسيق بين الجهات المعنية، والذي يظهر جليا من خلال عدم وجود آليات واضحة للرصد والتحقيق في حوادث وإصابات العمل بالتنسيق بين الجهات الرقابية والأمنية والصحية، كما أن دور النقابات العمالية والهيئات الممثلة لأصحاب العمل ما زال قاصرا في بعديه الاقتصادي والاجتماعي، ولا نكاد نرى لها أي مشاركات سوى في بعض الأنشطة التدريبية”. اقرأ أيضاً: اضافة اعلان