فخار يكسر بعضه؟!

كان الله في عون من يملك ثلاثا؛ قريبا مغتربا في دولة شقيقة، صفحة على موقع تواصل اجتماعي، ورأيا!
أتحدث عن المواطن العربي في الدول الأقل حظا، بالمستوى الاقتصادي على وجه الخصوص، والذي يحرم عليه هذا الوضع تحديدا المجاهرة بموقف يخص دولة عربية ما متعلقا بسياستها الداخلية والخارجية، أو وضع الحريات التي يعيشها مواطنوها، أو مثلا الظواهر الاجتماعية التي يعانون منها، مثلها مثل أي دولة عربية أخرى حتى تلك الأقل حظا في كل شيء.اضافة اعلان
في الأردن على سبيل المثال، أصبح من الدارج أن ينتبه أصحاب الآراء المناوئة أو المعارضة أو تلك التي لديها ملاحظة، إلى أن أقارب مغتربين في دول عربية للعمل أو الدراسة، ربما ينالهم من الحب جانب لو أنهم أدلوا بآرائهم علانية ومباشرة على صفحاتهم التواصلية. وهذا الانتباه شبه الجمعي، ما عدا كتاب الرأي المعروفين بجسارتهم والمتمتعين بمساحات حرية في أوساطهم الصحفية، لم يتأت من شعور طوعي غالبا، بقدر ما هو موجه ومبني على طلبات خجولة، مكسورة للأسف الشديد، من الأخوات والأخوة المغتربين بحثا عن فرص أفضل للعيش، ولعيش أقاربهم بالتالي في الوطن. في الوقت الذي يسمع ويرى فيه المغترب آراء، ومواقف وردود أفعال ما أنزل الله بها من سلطان، على سياسة بلده وشعب بلده، من مواطني دول عربية شقيقة جدا، ولا يملك حرية الرد بموضوعية واحترام، بدون أن يدفع ثمنا ما!
في الموضوع جانب جدلي يخص عدالة التسوية المطروحة، أو المعادلة الصعبة. هل نحن معنيون كثيرا بسياسات هذه الدول الداخلية والخارجية، بحيث نحمل هموم شعوبها أكثر مما تحمله هي نفسها، وكأننا أوصياء على الحرية والعدل والأمان هناك، أم أننا وبسبب سقوف حريات أعلى نسبيا في التعبير، واجتهادنا المتوارث في حمل القضايا العربية والقومية منذ عشرات السنين، وثقافتنا العامة واطلاعنا المحموم على الوضع السياسي لكل دولة عربية، وإدماننا نشرات الأخبار على رؤوس الساعات، كل ذلك يعطينا الحق في المشاركة والإضافة وفتح أبواب الحوار جهارا نهارا، بمشاركة بعض المتنورين العرب، الممتنين لشعورنا القومي ومشاعرنا الوحدوية الجياشة؟
وهل هذا جميعه مسموح به، أو على الأقل مسموح التعبير عنه، سواء عن طريق مشاركة الآخرين مقالات وكاريكاتيرات وأخبار متداولة، أو كتابة رأي ينتقد دولة ما، أو التعليق حتى على منشورات جاهزة، طالما لدينا عدد لا بأس به من المغتربين في تلك الدولة، والتي تسمح لسكانها بانتقادنا بحرية، ليس فقط عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وإنما أيضا على القنوات التلفزيونية المفتوحة، وعبر سائر منابرها الإعلامية الحكومية والخاصة.
لا أعرف علي المستوى الشخصي إن كان أحد من الأخوة المغتربين، قد تضرر فعليا من تلك القصة، بقدر ما أعيش بشكل شبه يومي حكايات لأهالي مقربين بسطاء، يستنجدون بمدونين ونشطاء على صفحاتهم، ألا يأتوا على ذكر سياسات هذه الدولة أو تلك، خوفا على لقمة عيش يمكن أن تنقطع فعلا، أو على مستقبل دراسي احتمال أن يتعثر!
ولا أعرف أيضا إن آن الأوان أن نفكر بأنانية مطلقة، بمصالحنا الصغيرة “الكبيرة في حقيقتها”، بحيث نرفع شعار “فخار يكسر بعضه”، طالما الأمر لم يصل إلى الاستعمار الخارجي، أو تفتيت الأوطان أو بالذات القضية الأم، قضيتنا الفلسطينية.
ولكن ما أنا متأكدة منه، هو أن سياسات تلك الدول المضيفة لمغتربينا، ستتشاطر علينا نحن بالذات، إن حملنا راية الدفاع عن حريات مواطنيهم العامة مثلا، ممسكة إيانا من ذراعنا التي توجعنا. في حين ستغض الطرف بكل رحابة صدر وفكر، على الملاحظات والانتقادات نفسها لو كان أصحابها من حملة الجوازات الأجنبية. وعلى سيرة الأجانب، ما تم طرحه في المقال لا يخص الدول الغربية، التي تسيرها حكومات وأجهزة استخباراتية لا تصغر عقلها لهذه الدرجة، بقدر ما تكون رقابتها على المنشورات بشكل عام، خاضعة لحوادث معينة ومتخصصة بالشأن الأمني فقط.