فرسان للحق وحماة للدار

يعيد الإنجاز الاستخباري والنوعي، الذي كشفت عنه دائرة المخابرات العامة أول من أمس بإحباطها لمخطط إرهابي غاشم يستهدف عدة مواقع حيوية وبالتزامن، التأكيد على اليقظة الأمنية العالية التي تبقي حصانة ومنعة الداخل الأردني بيد أمينة، استحق أصحابها أن يكونوا فرساناً للحق، وحماة للدار.اضافة اعلان
ويأتي هذا الكشف الاستخباري لمخطط كان من المفترض أن يتم تنفيذه في غمرة الاحتفالات بأعياد الميلاد وقرب رأس السنة، لولا لطف الله ويقظة بواسل المخابرات العامة، ليزيح في أحد أبعاده الغطاء عن بعد الرؤية التي يتمتع بها الجهاز في إطار خدمة منظومة الأمن الوطني الشامل، حين أجّل الكشف عن القصة، حتى لا يؤثر على أجواء الاحتفالات بالمناسبات السنوية، ولا يثير قلق الأردنيين وضيوف بلدهم، فضلاً عن بعد استخباري أمني احترازي للتأكد من عدم وجود أي عناصر أو مخططات أخرى قد تكون مرتبطة بتوقيت المخطط الأول.
واليوم تُثبت دائرة المخابرات العامة من جديد إنها على قدر المسؤولية، بإفشالها مخططا إرهابيا ضخما نسبيا، وتُحافظ على ميزة الأردن التي يُباهي بها العالم أجمع، وهي الأمن والاستقرار، وسط إقليم ملتهب مضطرب وجوار غير مستقر وبيئة محفزة للتطرف.
ولولا عوامل الاحترافية والتطور والجهوزية لمنتسبي "المخابرات"، لكان الأردن وساحاته وأبناؤه، قُبيل انتهاء العام بسبعة أيام، على موعد مع عمليات همجية وحشية، "إرهابيوها" 17 شخصًا حصلوا على فتوى "داعشية" تجيز النيل من مواطنين ورجال دين وترعب الآمنين من أطفال ونساء وشيب وشبان وتدمر مراكز أمنية وأخرى تجارية ومحطات إعلامية.
هذا الكشف والنجاح الأمني غير الجديد على أجهزتنا الأمنية يقودنا لاستخلاص عدة رسائل من إحباط ذلك المخطط الإرهابي؛ أولها التأكيد على أن الأردن كان وما يزال وسيبقى مستهدفًا، من قبل قوى الشر والظلام، إما حسدا على ما ينعم به من أمن واستقرار، وإما طمعًا للنيل منه ومن أبنائه وتكدير وتعكير أجوائهم وصفوهم، أو حقدًا على ما قام به وما يزال في مكافحة الإرهاب وتنظيماته إقليميًا ودوليًا، وما لحق بهم من خسائر يشهد لها القاصي والداني.
ثاني تلك الرسائل، أن تحذيرات الأردن المستمرة والمتواصلة في كل محفل دولي أو مناسبة محلية أو إقليمية أو دولية من التراخي في مواجهة الإرهاب، كانت في مكانها ويجب النظر إليها بكل جدية واهتمام، ولطالما أكد جلالة الملك ضرورة التصدي للإرهاب عبر استراتيجية ثلاثية الأبعاد: أمنية واستخباراتية وأيدولوجية.
الرسالة الثالثة، والتي لا تقل أهمية عن سابقتيها، تؤكد أن المنظومة الأمنية الأردنية، والتي تقف على رأسها دائرة المخابرات العامة، ورغم انشغالها وتركيزها على حماية الحدود بفضل معلوماتها الاستخباراتية، إلا أنها لم تغفل الأولوية الرئيسة لها في حماية الوطن داخليًا، والحفاظ على أمنه واستقراره اللذين تتميز بهما المملكة، رغم أن خاصرتها الشرقية (العراق) غارقة في بحور من الحروب والفتن الداخلية والخارجية، وخاصرتها الشمالية (سورية) ليست أحسن حالًا، والتي دخلت أزمتها عامها السابع ولا أحد يعلم متى تذهب تلك السحابة الدموية فيها، وأما غربها (فلسطين) المحتلة، فهي ما تزال تئن تحت نير الاحتلال الإسرائيلي الغاشم منذ أكثر من مئة عام.
ومن هنا تأتي الرسالة الرابعة، وهي تزايد ثقة المواطن بجهازهم الأمني في التعامل مع تهديدات تُريد النيل من وطنه، ذلك الجهاز الذي أثبت على مدار أعوام عديدة حرفيته وجاهزيته وبأنه يمتلك القدرة على إبطال عمليات غير أخلاقية وغير إنسانية ولا تمت بصلة لأي ديانة سماوية ديدنها السلام والوئام وحب الآخر، وما إبطاله لمخطط إرهابي والقبض على 17 إرهابيا في عشرة مواقع مختلفة وفي التوقيت نفسه، إلا دليل على تلك الثقة العالية لا بل وتزايدها.
الرسالة الخامسة، هي "الإنجاز الصامت"، الذي يُعتبر البصمة الماثلة لـ"المخابرات"، واحترافيته العالية ويقظته الأمنية، رغم أن هذه ليست المرة الأولى التي تحبط فيها الدائرة مخططات إرهابية، فهناك العديد من العمليات التي قام "فرسان الحق" بوأدها قبل ولادتها، وهناك عمليات لم يتم الإعلان عنها.
أقول إن ما حدث يجب ان يزيدنا يقظة وحرصاً على أمن الأردن، ويدفع لتكاتفنا أكثر، ويوثق ثقتنا بأجهزتنا الأمنية، التي تحتاج دوماً لرديف شعبي واعٍ ويقظ ومؤمن بقدراتها.