فرصة للدبلوماسية في سورية

افتتاحية – (نيويورك تايمز) 24/8/2015

 ترجمة: علاء الدين أبو زينة

قيام ميليشيات "داعش" بقطع رأس عالم الآثار السوري خالد الأسعد، الذي ضحى بحياته من أجل أن يحمي بعض أعظم كنوز سورية، كان تذكيراً مروعاً بكيف أن "داعش" قام بتحركاته العقائدية والإقليمية الوحشية بتعقيد –واستغلال- الصراع الذي مزق سورية إرباً لأكثر من أربع سنوات بشكل كبير.
لكن استكمال الاتفاق النووي الإيراني في الشهر الماضي خلق مساحة لانطلاقة جديدة لحل سياسي للحرب المدمرة الدائرة بين الرئيس السوري بشار الأسد والثوار الساعين إلى الإطاحة به، والتي أزهقت أرواح نحو 250.000 شخص وأجبرت 11 مليوناً آخرين على الخروج من ديارهم، حيث رفعت موجة قوية من الاجتماعات الدبلوماسية عالية المستوى منسوب الآمال بأن يكون مثل هذا الجهد لحل الأزمة قائماً في نهاية المطاف.
لكنه ما يزال من غير الواضح ما إذا كان لدى الولايات المتحدة وروسيا وإيران وسورية والسعودية، واللاعبين الرئيسيين الآخرين في المنطقة، شعور بالإلحاح والإرادة السياسية لوضع سورية على مسار أكثر استقراراً. ومع ذلك، من الواضح أن من الصعب –من دون تحقيق تسوية سياسية في سورية- رؤية كيف يمكن تشكيل حملة موحدة فعالة ضد "داعش"، وإجهاض عزمه على تأسيس خلافة في سورية والعراق.
يبقى النشاط الدبلوماسي الأخير حول سورية معقداً وغامضاً. فقد أقامت روسيا، أقوى داعم للرئيس الأسد علاقات جديدة مع السعودية التي تشكل عدوه اللدود وأحد الممولين الرئيسيين لجماعات الثوار السورية؛ كما توسطت في عقد لقاء بين مسؤولي الاستخبارات السوريين والسعوديين. وفي وقت سابق من هذا الشهر، التقى وزيرا الخارجية الروسي والسعودي في موسكو، بينما كان محمد جواد ظريف، وزير خارجية إيران التي تشكل حليف الرئيس الأسد الرئيسي الآخر، في دمشق ليلتقي مع الرئيس الأسد. وقبل أسبوع من ذلك، عقد وزير الخارجية الأميركية جون كيري ونظيراه الروسي والسعودي أول لقاء ثلاثي لهم لبحث الموضوع السوري أيضاً.
ثمة أسباب قوية لمحاولة الحيلولة دون المزيد من انهيار الدولة السورية: فالرئيس الأسد الذي يعاني في ميدان المعركة وفي تجنيد القوات لجيشه، يصبح أضعف باطراد. والأميركيون والروس والسعوديون، من بين آخرين، يخشون أن يتمكن "داعش" الذي يسيطر مسبقاً على جزء كبير من سورية، والأقوى من المجموعات المتشددة والمسلحة الأخرى هناك، من أخذ زمام السيطرة في سورية في حال سقوط النظام.
في هذه الأثناء، فشلت إلى حد كبير خطة الرئيس أوباما لتجهيز وتدريب قوات برية من الثوار السوريين، والتي يمكنها أن تعتمد على الضربات الجوية الأميركية ضد "داعش" لتأمين الأراضي. كما تظل الجماعات المتمردة التي كان يُنظر إليها على أنها شركاء محتملون في القتال ضد "داعش" غير منظمة وتشتبك في معارك مع بعضها البعض في كثير من الأحيان.
حتى مع ذلك، وعلى الرغم من أهمية هذه اللحظة، فإنه يبدو أن هذه المناورات الدبلوماسية تجري لأغراض مخصوصة، حيث يبدو أن الأطراف تختبر المياه أكثر من كونها تطور خطة معدة بشكل كامل للمضي قدماً إلى حل. وكانت العملية الوحيدة الملموسة هي إعلان متواضع غير ملزم تبناه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الأسبوع الماضي، والذي يحث الحكومة السورية وخصومها على مناقشة عملية "انتقال سياسي" على أساس الخطوط التي اتفق عليها الدبلوماسيون في جنيف في العام 2012.
ما تزال العقبات التي تحول دون التوصل إلى مثل هذا الانتقال هائلة، لأسباب ليس أقلها عدم وجود أي إجماع على كم يمكن أن تدوم هذه الفترة الانتقالية، ومتى –إذا كان ذلك ممكناً أصلاً- قد يتنحى السيد الأسد. وقد أصرت الولايات المتحدة وآخرون، من بينهم المملكة العربية السعودية وتركيا، على وجوب أن يذهب الأسد، بينما تمسكت به كل من روسيا وإيران. ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن روسيا ربما تكون مستعدة لقطع الروابط مع السيد الأسد كجزء من خطة لاستقرار سورية من دونه، والتي تمنع استيلاء "داعش" على السلطة، لكن أياً من الخطط التي تم طرحها لم تحظ بالقبول حتى هذه اللحظة.
لا شك أن انخراط روسيا في الجهد المبذول لحشد تحالف ضد "داعش"، والذي كانت الولايات المتحدة تعمل عليه منذ السنة الماضية، هو موضع ترحيب، بالنظر إلى تصلب روسيا السابق. فوراء في العام 2011، عندما أطلق السيد الأسد شياطين الغضب باستخدامه القوة ضد المتظاهرين السلميين، قامت روسيا –مدعومة من الصين- بتعطيل كل المحاولات في مجلس الأمن للضغط على السيد الأسد من خلال العقوبات الاقتصادية والوسائل الأخرى لتشجيع السعي إلى حل سياسي.
بالنظر إلى عديد الأرواح التي فُقدت منذ ذلك الحين، والطريقة التي فتحت بها الحرب المتواصلة الأبواب أمام "داعش"، فإن من المؤسف أن تكون موسكو قد جاءت متأخرة إلى الطاولة. ومع ذلك، يبدو أن ثمة رغبة جادة الآن في السعي إلى حل سياسي، وهو ما يجب تشجيعه. وتتحمل روسيا وإيران مسؤولية خاصة عن المضي بهذا المسعى إلى الأمام.

اضافة اعلان

*نشرت هذه الافتتاحية تحت عنوان:
 An Opening for Diplomacy in Syria