فرصة للمراجعة

إقالة مسؤولي الملف الأمني معا، كانت خطوة غير مسبوقة في تاريخ الحكومات الأردنية، ويجب النظر إليها بوصفها مؤشراً على صحة الدولة، وقدرتها على تصويب الأخطاء أو تجاوزها بسرعة كبيرة. وهذه الخطوة تنطوي على رسالتين غاية في الأهمية: الأولى، موجهة للمسؤولين؛ بأن معيار التقييم والاستمرارية هو الأداء بالدرجة الأولى، وأن الأخطاء، وخاصة فيما يتعلق بالملف الأمني، غير مسموح بها، والتجاوزات لا يمكن السكوت عليها. أما الرسالة الثانية، فهي موجهة للمواطنين، وفحواها أن هناك قيماً ومبادئ وأسساً لعلاقة الدولة بالشعب، وأنه غير مسموح التهاون في تطبيقها، حتى وإن كانت الأخطاء بحسن نية.اضافة اعلان
الأمن في الأردن، في ظل الظروف الإقليمية والحراك السياسي في السنوات الماضية، يمثل أولوية لدى المواطنين. لا بل يمكن القول إنها الأولوية الأولى لهم. وكذلك بالنسبة للدولة؛ فهذه ميزة لا يمكن التنازل عنها أو التهاون بشأنها. ويجمع القاصي والداني على أن إدارة الأزمات الداخلية والإقليمية تمت بمنتهى السلمية والمهنية والاحترام، وأن ذلك علامة فارقة في إنجازات الدولة الأردنية.
القضية الأبرز تأثيراً في التغيرات التي حصلت في الأيام الماضية، كانت الأحداث في مدينة معان والتي كشفت الخلل الناتج عن عدم التنسيق بين الأجهزة المعنية، ما أدى إلى بروز الإشكالية الأمنية. وهذا الملف ليس وليد الساعة، إذ تم تشخيص المشكلة سابقاً، وهناك اتفاق على وجود شق أمني وآخر سياسي تنموي، فيما يتعلق بالظروف التي أدت لهذه الأحداث المؤسفة.
أكثر من ذلك، أن الدولة كانت وضعت هذا الملف على جدول الحل، بشقيه الأمني والتنموي، ولكن لم يتم إنهاء الأمور كما كان متوقعاً. ويجب أن نعترف أيضاً بأن حل المشكلة الأمنية، وبخاصة مع المطلوبين أو الخارجين عن القانون، هو محل اتفاق بين الحكومة ومجلس النواب وأهالي معان؛ فالجميع مع سيادة القانون. لكن بحكم التوتر التاريخي بين معان والمركز، فقد تم التوصل إلى صيغة توافقية لعب فيها مجلس النواب دوراً إيجابياً.
إن الأخطاء في تناول الملف الأمني يجب ألاّ تعفي الحكومة من مسؤولياتها تجاه إنهاء ملف الأزمة في معان، وبخاصة فيما يتعلق بالملف السياسي والتنموي، الذي يجب أن يكون العمل عليه ملازماً وموازياً للعمل على الملف الأمني، لأن المقاربة الأمنية على أهميتها يجب أن تكون متبوعة بمعالجات تنموية وسياسية، ولكن هذا لم يتم أيضاً.
إن عدم قدرة الحكومة على إيجاد حلول لمشاكل المدينة، يؤثر سلباً، لا بل يساعد في تفاقم المشكلات الأمنية مع فئة محدودة من سكان معان، والتي عندما تحدث التوترات تتحول وكأنها مشكلة مع المدينة برمتها، وهذا ليس صحيحا؛ إذ إن غالبية سكان معان لا يوافقون بل يعانون من تصرفات هذه الفئة القليلة. والخلاصة، أنه يجب أيضاً البحث عن جوانب القصور الأخرى في معالجة الأمور ذات الطابع الأمني، لأن لها أسبابا غير أمنية.
إن ما حدث يعزز الثقة بالدولة وبالأجهزة الأمنية التي هي محط فخر واعتزاز كل الأردنيين. لكن في الوقت نفسه، لا بد من أن يتم اغتنام هذه الفرصة لإجراء مراجعة شاملة للظروف التي أدت وقد تؤدي في المستقبل إلى حدوث حالات ومشاكل مشابهة، في المكان نفسه أو في أماكن أخرى.
إن عدم احترام القانون، والتطاول عليه وعلى المؤسسات الحكومية، مسألة لا يمكن قبولها. لكن يجب الاعتراف بأن أسباب هذه المظاهر والظواهر متعددة ومتشابكة، وأغلبها اقتصادية واجتماعية أو تنموية. لذلك، يجب ألاّ تترك الأجهزة الأمنية وحدها في مجابهة هذه الحالات، ولا بد أن تكون هناك مقاربة لحل هذه المشكلات؛ تراوح بين الأمني من جانب والسياسي والتنموي من جانب آخر. وهنا لا بد من أن تتحمل الحكومة كامل مسؤوليتها.