فرنسا معنيّة بتقديم دفعة جديدة لفكرة أوروبا الموحدة

أوروبيون يتظاهرون من أجل أوروبا أخرى أكثر عدالة - (أرشيفية)
أوروبيون يتظاهرون من أجل أوروبا أخرى أكثر عدالة - (أرشيفية)

 ترجمة: مدني قصري
لا تكف أزمة اليورو عن زعزعة استقرار التسلسل الهرمي للسلطة في الاتحاد الأوروبي. وبالنظر إلى الأهمية الاقتصادية وتأثيرها السياسي، فإنه يتعين على فرنسا بقيادة فرانسوا هولاند أن تعطي دفعة جديدة للتكامل الأوروبي.اضافة اعلان
ولن يكون من قبيل الأنانية والانكفاء على النفس إنْ نحن تساءلنا عن مدى تأثير الانتخابات الرئاسية الفرنسية في أوروبا. ليس فقط بسبب ثقل فرنسا الفعلي ووجودها على الساحة الدولية، وأهميتها الاقتصادية ونفوذها السياسي الذي كان وما يزال عاملا حاسما في الاتحاد الأوروبي، وإنما أيضاً بسبب استثناء يستقطب الاهتمام، وهو أن فرنسا، من بين الممالك السبع والجمهوريات العشرين التي يتكون منها الاتحاد الأوروبي، تظل هي الدولة الوحيدة التي تستعير تجاربها من كلا النظامين معاً، والتي تزودت برئيس دولة يتمتع بصلاحيات دستورية أوسع بكثير من تلك التي يتمتع بها الرئيس الأميركي. والأجندة الفرنسية مرهونة كليا بالإرادة والتوجيه الرئاسيين المتمثلين في مبدأ المركزية الفريدة من نوعها في مناخ الديمقراطيات الغربية. وهو ما يجعل من شركائنا الأوروبيين أكثر انتباهاً لخياراتنا السياسية المحلية، وأكثر اهتماماً بالشخصية المنبثقة عن حُكم صناديق الاقتراع.
إن المناقشة بين الليبراليين والاشتراكيين الديمقراطيين التي تحرك أوروبا الغارقة في وحل أزمة شاملة، هي مناقشة سيكون لها مخرج فرنسي إلى حد كبير. ونحن نمتلك -على الأقل- الحق في أن نفكر في هذا المخرج، أو في أن ننتظره، وفقا للآراء، من الولاية الرئاسية الجديدة. ولعل ما يميز الاتحاد في الوقت الحالي هو عدم وجود نموذج رائد، وعدم وجود مرجعية قوية، وعدم وجود الخبرة المُقنعة، وبصراحة نقول إن ما يميز الاتحاد أيضاً هو استمرار وجود آثار الفراغ التصوري، لدرجة أن الآراء باتت تتعارض وتتصادم، وأضحت الخيارات تتناقض وتتعارض، وأن المراقبين يحصون الحكومات التي تسقط وتلك باقية في مناصبها، في عملية جرد تحمل الكثير من المعنى.
ونكاد نقول: يجب الاستيلاء على السلطة في أوروبا. ليس ثمة قاعدة عامة يمكن استخلاصها من مراجعة المسؤولين الليبراليين الباقين في السلطة في أوروبا، ولا قاعدة عامة عن عدد الحكومات الاشتراكية، أو عن النسبة المئوية للائتلافات الحكومية. وفي المقابل يبقى مكان الزعامة المناقضة للأزمة شاغراً، ويتعين تحديد التوجيه الذي ما تزال معالمه غير محددة، وخاصة أمام عقيدة المحاسبة الألمانية التي تبدو، على ما تتمتع به من فضيلة، أقرب إلى الانضباط منها إلى الطموح. 
إعطاء دفعة قوية جديدة لأوروبا، ذلكم هو القدر الذي يفرض نفسه على فرنسا مرة أخرى. إن الجدل الذي يضع وجها لوجه كل الذي يفضلون النمو والذين يعطون الأولوية للتقشف المالي، ينبغي في الحالة المثالية أن يؤدي إلى "تركيبة" يكون لفرنسا فيها دور أساسي. ونحن نلمس هذا التوجه اليوم على سبيل المثال، في أقوال ماريو دراجي، رئيس مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، الذي لخص مؤخرا التوجه الذي ينبغي اتباعه، مقدرا أنه ينبغي النظر إلى التنمية كأولوية في منطقة اليورو، ولكن ليس على حساب الانضباط المالي.
لكن هذا لن يحدث من دون وجود جرعة قوية من القناعة. هل نحن بحاجة إلى التذكير بأن المشككين في أوروبا قد عبّروا عن أفكارهم بإسهاب لصالح الحملة الانتخابية الرئاسية، وفي كثير من الأحيان أخرسوا المدافعين عن أوروبا. هؤلاء المدافعون هم الذين يتعين عليهم الآن، بعد أن خمدت الأبواق الانتخابية، أن يتحدثوا مرة أخرى، ويُعيدوا بناء الجسور مع المدرسة الفرنسية، ممثلة في مونيت، وشومان، وجيسكار، وميتران وديلور. من فرط اعتقادهم أن الخروج من الأزمة مرهون باتخاذ تدابير تقنية على عجل -وهو الرد الضروري والرؤية غير الكافية في آن واحد- لم يتم الوصول في النهاية إلى أي حل جذري للأزمة.
إن الحل يكمن في تحقيق انطلاقة مزدوجة: انطلاقة اقتصادية وانطلاقة سياسية في وقت واحد. ويشكل إعطاء دفعة جديدة للتكامل الأوروبي، بفضل "حكومة اقتصادية" حقيقية لمنطقة اليورو، السبيل الوحيد للمضي قدما نحو المستقبل. ذلك هو، وأكثر من أي وقت مضى، أفضل الخيارات بالنسبة لفرنسا.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: La France doit donner un nouveau cap à l'Europ