"فريدوم هاوس": حكومات تعاند التاريخ

حسب تصنيف منظمة "فريدوم هاوس" لحرية الانترنت في العالم للعام 2014، انخفض وضع الأردن بمقدار درجتين، عنه في تقرير 2013.
اللافت في تقرير المنظمة الأميركية ان من بين 65 دولة حول العالم تم تقييمها وشمولها بالتصنيف، تبين ان 36 دولة منها شهدت تراجعا في المؤشر، وفي حرية الانترنت. اضافة اعلان
واللافت أكثر انه لم نعد وحدنا في "الهم شرق"، بل تساوى الأردن مع الولايات المتحدة، الى جانب لبنان والسودان والمغرب، في درجة التراجع بمستوى الحرية "العنكبوتية"، حيث انخفضت حرية الانترنت في اميركا بمقدار درجتين ايضا، بالرغم طبعا من أن تصنيفها بقي متقدما مقارنة بالأردن!
الواضح اليوم، أنه مع التقدم الكبير في سطوة وانتشار الانترنت عالميا، والتوسع الثوري في وسائل الاتصال غير التقليدية، وقضم وسائل التواصل الاجتماعي والـ"ملتي ميديا" والصحافة الالكترونية، من حصة ونفوذ الصحافة الورقية والتقليدية، الواضح أن ذلك يترافق مع تزايد محاولات الحكومات والدول توسيع سيطرتها و"ضبطها" لهذه الثورة الاتصالية، عبر تشريعات وسياسات وإجراءات لا تنتهي.
أمر مفهوم أن السلطات والحكومات لن تتنازل بسهولة عن سلطاتها في الضبط والسيطرة قدر الإمكان، على كل ما ينشر ويتداول من معلومات وآراء، بل وستسعى جاهدة لجر ما ينشر ويتداول في هذا "العالم الافتراضي" إلى "بيت الطاعة" الرسمي، الذي سبق أن دخلته الصحافة التقليدية.
انطلاقا من هذا الفهم، يبدو طبيعيا أن تتراجع الولايات المتحدة و36 دولة من أصل 65، شملتها الدراسة، في مقياس حرية الانترنت، وهو أمر مرشح لمزيد من التراجع، مع تزايد سطوة وانتشار الانترنت والهواتف الذكية وتغلغلها في حياة البشر.
أردنيا، أعاد تقرير "فريدوم هاوس" تراجع المملكة في مؤشر حرية الانترنت العام المنصرم، إلى إغلاق أكثر من 200 موقع الكتروني، لعدم تصويب أوضاعها، والحصول على الترخيص، وفق قانون المطبوعات والنشر المعدل.
كما أطاح بمستوى المؤشر أردنيا دخول القانون المعدل لمكافحة الإرهاب حيز التنفيذ قبل أشهر، حيث توسعت التغطية القانونية لملاحقة ما ينشر عبر الشبكة العنكبوتية، وطالت نصوص القانون ما ينشر من آراء ومواقف وتعليقات، على مواقع التواصل الاجتماعي في قضايا عديدة. الأمر الذي انعكس عمليا في تسجيل عشرات القضايا أمام محكمة أمن الدولة خلال الأشهر القليلة الماضية، بل ووصل الأمر الى توجيه الاتهام قبل أشهر لشخص، على خلفية رسائل على تطبيق "الواتس اب".
 لا يبدو الامر مقتصرا على الحكومة الأردنية، فاغلب الحكومات، تحديدا في العالم الثالث، وبعض المتقدمة، لن تدخر جهدا في محاولاتها للسيطرة على الفضاء الالكتروني، والذي وفر منصة مهمة لتداول المعلومات والآراء وتحشيد الرأي العام حول قضايا عامة.
لكن، ومع كل ذلك، فان معظم الخبراء لا يتوقعون أن تنجح اي سلطة سياسية في العالم، في النهاية، في وقف عجلة التاريخ، فالتقدم التقني والتكنولوجي في وسائل الاتصال، الذي شهده العالم في العقد الأخير، شكل بحق ثورة عالمية جديدة، لم يتبلور من تطبيقاتها على الأرض سوى النزر اليسير، وهي ثورة متواصلة ومتعاظمة يتوقع أن تنتج الكثير في المستقبل.