فريز والسياسة النقدية

خفض البنك المركزي الأردني، أمس، أسعار الفائدة على أدواته الرئيسة، بمقدار ربع نقطة مئوية؛ في إطار جهوده الرامية إلى تنشيط الاقتصاد وحفزه، لتحقيق معدلات نمو أعلى.اضافة اعلان
على أرض الواقع، ما تزال بيانات النمو الاقتصادي ضعيفة، لاسيما وأنه بلغ 2.8 % حتى نهاية الربع الثالث من العام 2013، مقارنة بـ2.7 % لنفس الفترة من العام 2012؛ ما يعني أن الظروف غير مريحة حتى هذا الوقت، لتوليد فرص عمل جيدة. ولتلعب السياسة النقدية دورها في ظل عجز موازنة كبير، وصعوبة إقرار خطط تحفيزية للاقتصاد.
صانع السياسة النقدية قام بخفض أسعار الفائدة للمرة الثالثة، وبذات المقدار. ونعلم أنه يرغب في مزيد من التخفيض، لإعطاء إشارات أقوى بأن سياسته التوسعية التي انتهجها منذ آب (أغسطس) الماضي ماضية قُدماً.
في المقابل، فإن التطورات العالمية ستكون محط أنظار صانع السياسة النقدية، خصوصاً وأن الأسواق العالمية تترقب اجتماع لجنة السوق المفتوحة الاتحادية (لجنة السياسة النقدية الأميركية) في 28 و29 من الشهر الحالي، بشأن سحب التحفيز النقدي بالوتيرة الحالية أو زيادتها.
غير أن المطمئن لصانع السياسة النقدية الأردني فيما يتعلق بالتطورات العالمية، هو أن سعر الفائدة لصالح الدينار مرتفع وجاذب. كما أن هامش المناورة ما يزال متاحا، لأن عملية سحب التحفيز ستستغرق وقتا أطول. وبالتالي، فإن استغلال عامل الوقت عبر الاستمرار في السياسة التوسعية ما يزال متاحا، الأمر الذي يخفف على المواطنين المقترضين، وهو الأمر الذي ستبدأ آثاره بالظهور، على الأغلب، خلال الفترة المقبلة.
"المركزي" الأردني رسخ أركان الاستقرار النقدي؛ فالاحتياطيات الأجنبية باتت تفوق 12 مليار دولار، ومعدلات التضخم تحت السيطرة، ويتوقع لها مزيدا من التراجع لتصل 3.2 % خلال العام الحالي، وفقا لمؤشرات صندوق النقد الدولي.
كذلك، فإن ما عزز فكرة التخفيض، هو التمكن من تقليص العجز في الحساب الجاري لميزان المدفوعات، والمتوقع أن يصل بنهاية 2013 إلى ما نسبته 10.5 % من الناتج المحلي الاجمالي، مقارنة بـ17.3 % في العام 2012؛ ما يؤكد أن سياسة سعر صرف الدينار مقابل الدولار تخدم الاقتصاد الوطني، بفضل السياسة النقدية الحصيفة التي أتقنت التعامل مع الظروف الصعبة في مرحلة سابقة.
صانع السياسة النقدية، ممثلا في محافظ البنك المركزي الأردني الدكتور زياد فريز، استطاع بحكمة العبور بالبلاد والعباد إلى برّ الأمان، وللمرة الثانية في تاريخه المهني، من خلال المحافظة على سلامة سعر صرف الدينار. وقد كانت المرة الأولى عندما كان محافظا للبنك المركزي عند رحيل المغفور له الملك الحسين بن طلال، وما واجهته المملكة عندئذ من ضغوط. فيما تمثلت المرة الثانية عند مجيئه محافظا في بداية 2012، وإدارته دفة السياسة النقدية في ظل "الربيع العربي"، وانقطاع إمدادات الغاز المصري، مترافقة مع حالة الرعب من التصريحات الحكومية التي دفعت البعض إلى استبدال دنانيرهم بدولارات. لكن قدرة فريز على استخدامه للأدوات النقدية، وبعضها لأول مرة في تاريخ المملكة، عزز من جاذبية الدينار.
كما سطر محافظ البنك المركزي الأردني الراحل الدكتور محمد سعيد النابلسي، تاريخا مشرقا في التعاطي مع الأزمات وإنقاذ البلاد نهاية الثمانينيات، يسطر الدكتور فريز تاريخا نعيشه حاليا، لاسيما وأن قلة تعلم عن مفاوضات المؤسسات الدولية، ومدى ضراوة قتاله معها بشأن أمور لا يمكن البوح بها أصلا.

[email protected]

yousef_damra@