"فزعة" أوباما والحرب العالمية الثالثة على الإرهاب!

قرّر الرئيس الأميركي باراك أوباما، أن التصدي لأيديولوجيات التطرف والدم يتطلب تحركا على عدة محاور؛ بما فيها ترسيخ مبادئ الديمقراطية، ومكافحة الفقر والبطالة في العالم الإسلامي.اضافة اعلان
ودعا أوباما -في ختام قمة مكافحة الإرهاب والتطرف التي استضافتها واشنطن الأسبوع الماضي- إلى إنهاء الصراعات الطائفية في المنطقة، وتحديدا في سورية والعراق. لافتا إلى أن هذه الصراعات رصفت الطريق أمام إرهاب تنظيم "داعش"، وشكّلت عامل جذب للمتطرفين. كما حث الدول النامية على توفير بيئة شفافة للعمل السياسي، على طريق مواجهة التطرف والقضاء على العوامل السياسية التي تتخذها تلك المجموعات المتطرفة ذريعة؛ ويأتي ضمن هذا احترام الحريات وتداول السلطة بالسبل الديمقراطية. كما وعد بتقديم مساعدات للدول المحتاجة، لتشجيع الشباب على الاستفادة من فرص جديدة للتعليم، وخصوصا النساء منهم.
وقبل الرئيس أوباما، قال وزير خارجيته، جون كيري، إن محاربة التطرف تبدأ بمعالجة دوافعه، ومن ضمنها القمع والفساد وغياب العدالة.
لكن أوباما وكيري نسيا، أو تناسيا، أن حقوق الإنسان وحرية الرأي -تقليديا من أهم روافع الديمقراطية- باتتا أولى ضحايا الحرب على الإرهاب؛ بدءا من بلاده التي كانت منارة للحريات، مرورا بالعالم العربي، وانتهاء بـ"الثلاثي الشيطاني" المعهود: تركمانستان، وكوريا الشمالية، وإريتريا، حيث تنعدم الحريات، بحسب مؤشر التصنيف العالمي لحرية الصحافة (2014)، والذي يقيّم أيضا الحريات السياسية.
فاقد الشيء لا يعطيه.. فعن ماذا يتحدثان؟
تناسى أوباما وكيري، ربما، أن الولايات المتحدة تراجعت -بحسب مؤشر منظمة "مراسلون بلا حدود" الصادر قبل أسبوعين- 13 مرتبة، مسجلة أكبر تقهقر وأكثر لفتا للانتباه، في سياق يتميز بملاحقة شرسة لمصادر المعلومات وكاشفي الفساد.
وفق هذا المؤشر، يستمر تهاوي حريات الرأي والتعبير في القارات الخمس، خصوصا في العالم العربي، لأسباب عدّة؛ أهمها تأويل سلطات غالبية الدول الـ180 لمفاهيم حماية الأمن القومي بإفراط، على حساب حق النشر وتلقي المعلومات، ووضع الناشطين والمدونين في خانة الإرهابيين.
من المستبعد أن يكون أوباما وكيري قد التفتا للانتهاكات الروتينية في عالمنا العربي، بحق ناشطين سياسيين ومدونين وصحفيين؛ بخاصة بعد دخول غالبية دول المنطقة عصر الردّة على الثورات المطالبة بالحرية والعدالة والعيش الكريم. وهما لا يتابعان مسلسل تكميم الأفواه باسم الأمن القومي والحرب على الإرهاب في بلادهم وبلادنا.
فعلى من يضحكان؟ على نفيسهما، أم على ممثلي الدول الغربية والعربية والإسلامية التي شاركت في القمة؛ وبينها الجزائر، والأردن، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، والسعودية، وتونس، وتركيا، وروسيا، إلى جانب شخصيات دينية ونشطاء مدنيين؟
بينما كان وزير خارجية الأردن ناصر جودة يلقي كلمته في المؤتمر، أصدرت محكمة أمن الدولة حكماً بسجن نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين زكي بني ارشيد لمة سنة ونصف السنة، عقب إدانته بالإساءة للإمارات المتحدة في رده على قرارها إدراج "الإخوان" على قائمة الإرهاب.
منظمة "هيومن رايتس ووتش" انتقدت قرار المحكمة، واعتبرت أن الأردن "غير ملتزم بإنهاء محاكمات حرية التعبير"، مذكرة بأن الدستور المعدل العام 2011 كرّس حق كل أردني في الإعراب عن رأيه بحرية. لكن المشرّعين لم يلغوا أي تشريعات أو يبطلوا محاكمات تنطوي على انتهاك لحقوق المواطنين.
كذلك، وبينما كان رئيس الوفد الكويتي يتحدث في واشنطن، ثبّتت محكمة الاستئناف في بلاده قرار حبس النائب السابق والناشط السياسي المعارض مسلم البراك، زعيم حركة العمل الشعبي، سنتين بتهمة إهانة الأمير.
وخلال عودة الوفد المصري إلى القاهرة، أصدرت محكمة الجنايات قرارا بسجن الناشط اليساري علاء عبدالفتاح خمس سنوات، مع غرامة بقيمة 100 ألف جنيه، على خلفية "أحداث مجلس الشورى" التي وقعت في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وقد جاء هذا القرار بعد تبرئة غالبية أركان نظام حسني مبارك وأنجاله.
أما السعودية، فما انفكت تؤجل تنفيذ عقوبة الجلد بحق رائف بدوي الذي أثارت قضيته إدانة دولية بعد صدور حكم بجلده 1000 جلده، ردا على "إساءته للأديان". هذا الناشط والمدون يشجع على الحوار الحر في الدين، من خلال منبر نقاشي أنشأه في العالم الافتراضي.
أما موفد البحرين، فقد كان يتحدث قبل جفاف الحبر على قرار بلاده وقف نشاط قناة "العرب" الإخبارية التي يملكها الأمير السعودي الوليد بن طلال، لأسباب "فنية وإدارية"، بعد سويعات على إطلاقها. والسبب المعلن كان عدم التزام القناة بالأعراف السائدة في دول الخليج، ومنها حيدة المواقف الإعلامية، وعدم المساس بكل ما يؤثر سلبا على روح الوحدة. وقد كان خليل مرزوق ضيف القناة الأول على الهواء مباشرة، وهو أحد رموز المعارضة البحرينية الذي انتقد سحب سلطات بلاده الجنسية من 72 مواطنا بحرينيا.
كذلك، فإن سجل الحريات السياسية والإعلامية في تركيا ليس أفضل، إذ تحولت إلى سجن كبير للصحفيين.
في الأثناء، يتحدث الرئيس أوباما من دون أن ترمش عينه عن أن "الإرهابيين" يستغلون العقول غير مكتملة النضج لفرض خطاب الكراهية، مطالبا بدحض الانطباع المغلوط حول وجود حرب بين "الغرب والإسلام".
نشكره فقط لأنه لم يستسلم للضغوط الداخلية التي حاولت إرغامه على الربط علانية بين "الإسلام والتطرف". لكن كان من الأفضل لو استغل الرئيس هذه القمة لحشد الرأي العام في بلاده خلف دورها المرتقب في الحرب على تنظيم "داعش" وأخواته ضمن التحالف العربي-الغربي، والتي ستشهد تصعيدا مع بدء الحملة البرية لدعم الضربات الجوية الدائرة منذ ستة أشهر.
دول العالم، والأردن منها، لم تعد تكترث بحرية الصحافة والرأي والتعبير، وبخاصة عبر الإنترنت، لأن في ذلك منصّة مفتوحة لتشجيع خطاب الكراهية والفتنة. وغالبية الشعوب العربية لم تعد ترغب في سماع كلمة حرية وديمقراطية بعد الويلات التي شهدتها في مصر وسورية والعراق واليمن وليبيا. والملف الاقتصادي ومحاربة الإرهاب خارج الحدود، والفكر التكفيري الذي يتغلغل في أحشاء المجتمع بات الهدف رقم واحد لغالبية دول المنطقة.
الأردن، وقطر، والبحرين، والسعودية والعراق، أعضاء فاعلون في الحملة العسكرية ضد "داعش" العابر للحدود. وتركيا تستعد لتجهيز وتسليح مقاتلي "المعارضة السورية المعتدلة" لمواجهة النظام السوري و"داعش" وسائر التنظيمات الإرهابية. هذا التدريب، وبحسب الاتفاق الذي أعلن مع واشنطن يوم الخميس الماضي، يتضمن تجهيز 5000 مقاتل سوري سنويا ضمن خطة لدعم "المعارضة السورية المعتدلة" مدتها ثلاث سنوات. فيما الأردن سيلعب دورا في التدريب وشن عمليات خاصة وخاطفة عبر الحدود العراقية السورية، لملاحقة زعماء الإرهاب، بعد حصوله على موافقة الحكومة العراقية بالتحرك ضمن عمق 200 كم من الشريط الحدودي. يحدث هذا بالتزامن مع تصعيد غاراته الجوية ضمن التحالف بعد مأساة طياره الشهيد معاذ الكساسبة.
مسرح الحرب المكثفة أرضا وجوا ضد "داعش" يجهز يوما بعد يوما. فخطر الإرهاب يوحد غالبية الدول. وحرية الرأي والتعبير تقوّض تحت ذريعة حماية الأمن القومي وضرورات المراقبة والتنصت على الإنترنت والهواتف. وهناك علاقة عكسية بين حرية الإعلام والصراعات الجارية؛ أكانت معلنة أم غير معلنة.
أنصار تنظيم "داعش" وأخواته متواجدون في فرنسا، وأستراليا، وبريطانيا، والدنمارك، وفي غالبية الدول العربية. وهذه إرهاصات حرب عالمية ثالثة بمفهوم آخر، كون الإرهابيين ينحدرون من 90 دولة، وأعمالهم الوحشية لا تعرف حدودا، وفق تشخيص الوزير جودة في واشنطن.
أنظمة العالم مرشحة الآن للانزلاق نحو التشدد، غالبيتها "تغمّس خارج صحن دولة الحق والقانون"، وهي تتشارك في إطار منظومات عسكرية-أمنية-استخبارية، تحت مظلة اقتصاد السوق الحرة.
لنستعد جيدا.