فسحة أربعائية

لا ينكر أي من الزميلات والزملاء كتاب المقالات الصحافية ورود بعض التعليقات القاسية على مقالاتهم، وفي أحيان كثيرة تصل تعليقات أقل قسوة لا تخلو من موضوعية وتوازن من حيث زاوية التناول.

اضافة اعلان

قد لا يتفق الكاتب مع ما جاء فيها من آراء ووجهات نظر، بل إن بعض الزملاء يستفز جدا ويتملكه الغيظ والغضب من أسلوب طرحها، ومن المؤكد كذلك بأن بعض الإخوة والأخوات من المعلقين يبالغون أحيانا في ردود أفعالهم حول مقال ما، فتتسم تعليقاتهم بالعصبية والتوتر والشخصنة، رغم أن التعليقات الواردة لمواقع الصحف الكبرى تخضع للتحرير وتهذيب الألفاظ الجارحة في العادة، فتظل الخسائر المعنوية في حدها الأدنى على عكس الكثير من المواقع الخاصة المحلية والعربية؛ حيث الردح والطروحات الإقليمية والطائفية والمذهبية واغتيال الشخصيات والتشهير على أشده من دون أي ضوابط من أي نوع.

ويقع بعض الكتاب في فخ التبرير والشرح ولا ينجحون في ضبط أنفسهم وينبرون في أخذ ورد وجدل لا ضرورة له شخصيا ومنذ انتظامي في هذه الفسحة الأربعائية، عاهدت نفسي على عدم مجادلة القراء سواء من يعبرون عن آرائهم من خلال اتصالات هاتفية أو بشكل مباشر، أو من يكتبون تعليقاتهم على موقع الصحيفة، ودربت نفسي على احترام مساحة التعليقات المخصصة لهم للتعبير عن وجهة نظرهم وللتفاعل الحر مع فكرة المقال، وهي مساحة شديدة الأهمية لأنها كفيلة بتسليط الضوء على المقال كما أنها معيار مهم لمدى نجاح الكاتب في الوصول إلى جمهور القراء.

ودربت نفسي رغم صفة العناد التي أشتهر بها والمتأتية من اختلاط جينات سلطية وشركسية، تؤدي في العادة إلى عواقب وخيمة على سماع وجهة النظر الأخرى والتأمل بها وافتراض أنها قد تكون أكثر دقة.

كما أواصل التدرب على مهارات الحس الديمقراطي، واحترام رأي الآخرين مهما كان مناقضا لرأيي، وهو تدريب اعترف بأنه ليس بسهل في جميع الأحوال، في ظل ثقافة تربى عليها وتأثر بمفرداتها جيل بأكمله، وهي ثقافة ليست متسامحة على الإطلاق تضيق ذرعا بالرأي المخالف ولا تنظر بعين العطف والتفهم لمن تسول له نفسه الخروج عن المنطق السائد.

حدث كثيرا أن قمعنا على مقاعد الدرس واتهم البعض منا بالوقاحة وعدم احترام المعلمين، لأنه تجرأ على النقاش وطرح أسئلة خارج حدود المنهج المقرر.

ولم تختلف وسائل التربية الأسرية آنذاك، فقامت بدورها بمهمة تدجين النفوس المتمردة تحت عناوين احترام الكبير والتأدب في حضرته وعدم مناقشته في أي أمر.

اذكر قبل ردح من الزمن في مرحلة التوجيهي تحديدا أجبت عن استبيان وزعته علينا الاختصاصية الاجتماعية، بعد أن أكدت ضرورة الإجابة بصراحة ومن دون خوف مع ضمان الحفاظ على خصوصية الإجابات وعدم التعرض لأي عقوبات.

كان السؤال المطروح هو: أي المعلمات تكرهين ولماذا؟ أجبت من دون تردد: أكره معلمة الرياضيات وتحت بند السبب: كتبت بكل بساطة مجرد شعور! ما حدث بعد ذلك أعتبره من ذكرياتي المريرة. فقد تم التعرف على خطي واستدعاء والدتي كي تتعاون والهيئة التدريسية في تأديبي وتصويب سلوكي، وتعرضت طيلة عام كامل لسخط معلمة الرياضيات التي صنفت إجابتي البريئة آنذاك بأنها قلة احترام! ورغم مرور كل تلك السنوات فإن هذه الحكاية ظلت عالقة في البال، كدرس عملي مبكر في مساوئ التعبير الحقيقي عن الذات وفي مغبة التفكير الحر!!.

[email protected]