فشل كوشنير وأربعة متغيرات تقلب المعادلات الإقليمية

كلما تقدم الوقت اتضحت معالم الخطة الأميركية، لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، واتضح أكثر فشل هذه الخطة. لم تكن جولة جاريد كوشنير الأخيرة، هي فقط الفاشلة على مستوى الموضوع الفلسطيني، بل إنّ هناك تحولات إقليمية مهمة تحدث، على صعيد ملفات إيران، واليمن، والربيع العربي. لقد بنيت فكرة المقايضات الضمنية والصريحة، بين دول خليجية عربية وإدارة دونالد ترامب على معادلة فهمها كل طرف بطريقته؛ فدول خليجية، كانت ترغب برؤية سياسة أميركية جديدة تخالف سياسة إدارة باراك أوباما، خصوصا، في ملفين: إيران والربيع العربي. في المقابل كان اللوبي الصهيوني الذي دخل إدارة ترامب، يراهن على أن يقايض ذلك بقبول عربي لتصفية القضية الفلسطينية؛ بقبول حل لا يشمل دولة فلسطينية ولا يتضمن انهاء الاحتلال، بل يقوم على تقديم "فُتات" اقتصادي للفلسطينيين، وحتى هذا الفُتات، سيقدمه العرب. وهذا ما حاول كوشنير وفشل في تسويقه في ورشة البحرين في شهر حزيران (يونيو) الفائت، وجولته للمنطقة الأسبوع الفائت. ما حدث ببساطة أربعة أمور أساسية، أظهرت وبيّنت إدارة أميركية عاجزة، وغير مدركة لمكانتها دولياً. 1 - في الملف الإيراني، اتضح أنّ واشنطن لا يُعوّل عليها، فقد أدارت الملف النووي دون كفاءة، فلم تصل لتحالف دولي يؤدي لحصار طهران، والأهم هو ما حدث بعد بِدء إيران مؤخرا، "التحرش" بالملاحة البحرية، وقد وصل الأمر لاحتجاز الإيرانيين لثلاث سفن مختلفة في محيط مضيق هرمز، فماذا كانت ردة الفعل الأميركية؟. أدلى ترامب بتصريحات تتنصل من مسؤولية حماية المنطقة. قال هو ومسؤولون آخرون، منهم مبعوث وزارة الخارجية الأميركية للشؤون الإيرانية، بريان هوك، أنّ الولايات المتحدة الأميركية تحصل على القليل من البترول، عبر مضيق هرمز، وأنّ آسيا والصين المستفيد الأكبر، وقال ترامب على تويتر، "لماذا نحمي خطوط الشحن (للبترول) من أجل دول أخرى (لسنوات عديدة)، دون مقابل. كل هذه الدول يجب أن تحمي سفنها (...) لا يجب أن نكون هناك". وكان وزير الخارجية مايكل بومبيو، مترددا ومتقلبا بشأن موقفه من إيران وتهديداتها، أثناء زيارته قبل أيام للسعودية والإمارات. مثل هذا الموقف تراجُع عن السياسة الأميركية القديمة بشأن أمن الخليج. وتراجع عن الدور القيادي العالمي لواشنطن، وتقزيم للمصالح الأميركية في المنطقة بمقدار البترول الذي تشتريه. 2 - تبعاً لهذه النقطة السالفة، وقبلها، ظهرت بوادر إعادة نظر دول خليجية لسياساتها ازاء إيران، والعمل بالتالي على فتح خطوط حوار مباشر مع طهران ورجال الأعمال الإيرانيين، بمعزل عن السياسة الأميركية المنفردة، وفي هذا السياق يأتي أيضاً بدء السعي لحل سياسي للحرب في اليمن، بعيداً عن الحسم العسكري. 3 - بالنسبة للربيع العربي، اتضح أولا، أنّ إدارة ترامب لا تقل عن إدارة أوباما من حيث عدم التدخل، وعدم الفعالية، في ملفات مثل سورية واليمن وليبيا، بل إنّ المؤشرات تؤكد أنّ هذه الإدارة تقترب من اتفاق مع حركة "طالبان" في أفغانستان، لتنسحب القوات الأميركية من هناك، وقد أجرى الطرفان (واشنطن وطالبان) ثماني جولات تفاوض حتى الآن بالصدد، وبالتالي لا يوجد فعالية لواشنطن في ملف الربيع العربي أو الإرهاب، ولا بد اعتماد الدول العربية على نفسها، ولا حاجة لتقديم تنازلات في الموضوع الفلسطيني أو غيره. 4- المتغير الرابع، في المعادلة الإقليمية، أنّ الفلسطينيين (وتحديداً قيادة منظمة التحرير الفلسطينية)، رغم كل المشكلات المحيطة بها، ورغم الحصار الاقتصادي السياسي، الأميركي، الإسرائيلي، وحتى الأوروبي، في بعض الحالات، وضعف الدعم العربي أحياناً، ما يزالون يؤمنون أنّهم "الرقم الصعب"، وأنهم يستطيعون قول "لا" للولايات المتحدة وخططها، وأنّهم "الممثل الشرعي والوحيد". واستفاد الفلسطينيون من مواقف عربية رسمية وشعبية ترفض أي حل لا يتضمن دولة فلسطينية مستقلة. بهذا المعنى، يبدو أن النصف الثاني من الدورة الانتخابية التي فاز بها ترامب، ستشهد تحولاً في المواقف. أهم ملامح هذا التحول هو "الفراغ"، حيث تنسحب الدولة العظمى وتفشل، دون بدائل واضحة من قبل المجتمع الدولي، على أن هذا يوفر للاعبين الإقليميين فرصا لتطوير سياسات خاصة، لمواجهة تحديات قائمة، أهمها الاحتلال الإسرائيلي، والسياسات الإيرانية وترتيب شؤونها الداخلية.اضافة اعلان