فشل "مالية النواب"

سلامة الدرعاوي لم يتمكن مجلس النواب ممثلا بلجنته المالية بإحداث أي فروقات في الدور الرقابي المالي للسلطة التشريعيّة على أداء الحكومة من خلال تتبع دقيق لسير العمل في قانون الموازنة العامة لسنة 2021. باستثناء اجتماعين طيلة الأشهر الماضية حول اداء الماليّة العامة خرجا دون اكتمالهما بسبب الفوضى التي تسبب بها بعض النواب أثناء الاجتماعين، مما أدى إلى إنهائهما حتى دون إصدار بيان صحفي بذلك. مظاهر الفشل الرقابي للجنة الماليّة- التي تعد في رأيي أهم اللجان الرقابية الاقتصاديّة للسلطة التشريعية- تمثلت في عدة أشكال، أهمها: الغياب الكامل عن المراقبة الآنية والحثيثة لتطورات ومستجدات الموازنة العامة التي عصفت بها كورونا بشكل كبير، وولدت ضغوطا كبيرة مازالت تداعياتها لغاية يومنا هذا. قانون الموازنة العامة يحتاج إلى تشاركية كاملة بين السلطتين في تنفيذه، ويكون دور الرقابة على ما أقره مجلس النوّاب في قانون الموازنة، وهو من أولويات عمل اللجنة الماليّة التي من واجبها الحضور الدائم في الرقابة على أداء الحكومة في تنفيذه بشكل دقيق، ولا يجوز أبداً غياب "ماليّة النوّاب" عن المشهد الماليّ وتطوراته في الدولة، فالرقابة في هذا الأمر عنصر أساسي ووقائي أيضا في مسيرة الإصلاح الاقتصاديّ. السياسات الرقابية البرلمانيّة على خطة الدولة تقتضي ملاصقة "ماليّة النوّاب" للحكومة في تتبع خطواتها التنفيذية للموازنة خاصة في مجال الإنفاق والذي عادة ما يزداد بشكل غير الذي أقر عليه في قانون الموازنة، وهذا يفرض على النوّاب التدخل لحماية قانونهم الذي أقروه، وعدم ترك السلطة التنفيذية تتغوّل في تنفيذه. سلوكيات النوّاب في الرقابة الماليّة أشبه بالعدم من حيث فاعليتها وجدواها، فبمجرد انتهاء اجتماعاتها الدورية بعد إرسال مشروع قانون الموازنة وقراءة تقريرها الماليّ أمام النوّاب، دخلت اللجنة في غيبوبة رقابية كاملة عن المشهد الماليّ للدولة، ولا تعود للظهور إلا في حالات نادرة رغم تسارع الأحداث والتطورات الماليّة، وفي بعض الحالات لا تظهر اللجنة واعضاؤها إلا مع مناقشة الحسابات الختامية للدولة في نهاية العام مع كل أسف. هذا السلوك المتقاعس من اللجنة الماليّة وعدم القيام بواجباتها الرقابية في الفترة الأخيرة اعطى انطباعات سلبية عن طبيعة العلاقات بين النوّاب والحكومة، وان هناك تغولاً من السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، تمثل أبرز اشكاله في الرقابة الماليّة على قانون الموازنة العامة. كثيرة هي الحالات التي لو كان هناك تدخل رقابي إيجابي من اللجنة الماليّة في مجلس النوّاب لما كانت التحركات الماليّة في الموازنة حدثت بهذا الشكل الصريح، فالغياب الرقابي المبرمج أدى لتغوّل الحكومة في تنفيذ القانون ومخالفته في الإنفاق تحت ذرائع مختلفة، سرعان ما تقدم تفسيرات ومبررات لتلك المخالفات. النوّاب في جلسة عامة ينهي النقاش بسرعة إلى إصدار ملحق لقانون الموازنة كما حدث في كثير من المرات السابقة، وباتت اللجنة مثل شاهد الزور، لتبرير ما تقوله وتقرّه وتفعله الحكومة، دون ان يكون لها أي دور تصحيحي ووقائي. الوضع الاقتصاديّ والماليّ للخزينة لا يحتمل كل هذا الغياب المؤسسي للنوّاب ممثلا بلجنته الماليّة، ففاعليتهم في الرقابة والمساءلة مطالبة ان تكون اكثر من حرص بعضهم على التواجد لدى مكتب ذلك الوزير او ذاك لتعيين الاقارب او طلب نقلهم او غير ذلك من المطالب الخدمية التي أدت لتشويه الصورة الصحيحة التي يجب ان تكون عليها السلطة التشريعية.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

اضافة اعلان