فصل عنصري

 تسفي برئيل -هارتس

"حينما لا أستطيع السفر في شوارع يسافر فيها مستوطنون، فماذا يكون هذا إن لم يكن فصلا عنصريا؟" تساءل - قال جازما صائب عريقات في لقاء صحفي للقناة 10. قد تكون الشوارع المنفصلة من الرموز الملموسة لنظام الفصل بين المستوطنين والفلسطينيين مثل جهاز القضاء المعوج الذي تدير اسرائيل المناطق بحسبه، فثم قانون للمستوطنين وقانون للفلسطينيين، وكذلك ايضا الاحكام التي تجيز هذا التقسيم حينما تجيز سطو المستوطنات أو الدولة على الاراضي.اضافة اعلان
أجل، أصبح "الفصل العنصري" تعبيرا مستوعبا ورمزيا ينطوي في ظاهر الأمر على كل شر الاحتلال وقسوته. لكن الفصل العنصري برغم السياقات القاسية التي يثيرها المصطلح، هو فقط تعبير مغسول يحاول أن يخفي واقعا أقسى كثيرا هو الاحتلال. لأنه حسبما يرى المتمسكون بتعبير الفصل العنصري لوصف الوضع في المناطق، لو أن اسرائيل منحت الفلسطينيين فقط حقوقا مساوية وأتاحت لهم أن يسافروا في الشوارع الواسعة التي عبدتها للمستوطنين، ولو استطاع رعايا الاحتلال فقط أن يخرجوا ويدخلوا كما يشاؤون وكأنهم مستوطنون لكان الوضع رائعا ولاختفى الاحتلال ولم يكن لمطامح الفلسطينيين القومية أي تسويغ.
إن الاحتلال بطبيعته يحدث تمييزا عميقا وفروقا في الحقوق عظيمة بين المحتل والواقع تحت الاحتلال. ولا يتعلق ذلك فقط بصورة تشكيل الاحتلال لصورة الحياة اليومية. أو بالقيود التي يلقيها على حرية الحركة وحرية التعبير والإعانة القانونية التي يستحقها الواقع تحت الاحتلال. إن الاحتلال يحبط بل يؤخر تحقيق المطامح القومية الى الاستقلال والسيادة لكنه لا يخفيها. والفصل العنصري في مقابله يحطم أساس المساواة بين مواطني الدولة نفسها.
إن الاحتلال البريطاني لمصر والهند، واحتلال فرنسا للجزائر، والاحتلال الاميركي للعراق كان يمكن أن يعتبر فصلا عنصريا بسبب الفروق في الحقوق بين المحتلين والواقعين تحت الاحتلال، وبرغم ذلك لم يعرف أحد هذه النظم بأنها فصل عنصري. وسبب ذلك إدراك أن الاحتلال ليس وضعا طبيعيا أو أبديا حتى لو استمر عشرات السنين ولهذا يجب عليه أن يثبت للشروط التي تقررت في المواثيق الدولية التي تنظم وضع الاحتلال. وفي قلب هذا الإدراك الاعتراف بأن السكان الواقعين تحت الاحتلال ليسوا جزءًا أساسيا من الدولة المحتلة ولهم هوية وكيان قومي خاص ولا نية البتة بتذويبها في هوية الدولة المحتلة وكيانها، وكل ذلك يخالف الفصل العنصري في جنوب إفريقيا حيث فرض مواطنو الدولة البيض نظام فصل رسميا متعدد المنظومات على أكثر مواطني الدولة.
وهنا يكمن خطأ اليسار أو بلبلته إذا أردنا الصواب أكثر - وهو الذي يرى أن الفصل العنصري خطر أفظع من الاحتلال نفسه وكأنه يطلب قائلا "أعطونا احتلالا متنورا نستطع معايشته في سلام". ولهذا التوجه تطوير يثير الاهتمام آخر وهو أنه إذا لم يمكن إنهاء الاحتلال فسننشئ لنا دولة ذات شعبين تضطر الحكومة فيها الى إعطاء الفلسطينيين حقوقا مساوية سياسية ومدنية. وهذا استعلاء أبوي. فهل سأل أحد ما الفلسطينيين هل يريدون دولة ذات شعبين؟ وهل تخلوا عن طموحهم الى أن يكونوا شعبا حرا في أرضه؟.
ليس استعمال تعبير "الفصل العنصري" أكثر من صرخة يأس وخيبة أمل بسبب العجز عن تغيير سياسة الحكومة، وهي تشبه صيحة استغاثة بالعالم لينقذنا من أنفسنا كي لا نصبح مثل جنوب إفريقيا، لأنه إذا كان العالم قد هب لتحطيم نظام فصل عنصري فربما يمكن أن يجند مرة أخرى لنفس الرسالة، لأجلنا هذه المرة نحن الليبراليين الجريئين الذين لم نخرج منذ سنوات للتظاهر على الاحتلال، والذي يبحث مع كل ذلك عن الفصل العنصري يستطيع أن يجده في الوعي الاسرائيلي اليهودي المتعلق بالمواطنين العرب في الدولة لا في المناطق. ففي المناطق احتلال ولن يستطيع أي غلاف أكثر صراخا كالفصل العنصري أن يعظم قبحه.