فضيحة الدجاج: القانون على المحكّ!

ثمة خيوط ما تزال غير واضحة في قصة "الدجاج الفاسد"، الذي تم اكتشافه في مخازن بمدينة معان، مرتبطة بعملية تسريب قد تكون حدثت لكميات أخرى في عمّان، وبتساؤلات عن وساطات ومحسوبيات أدت إلى خلل في العملية الرقابية المرتبطة بالدجاج، بخاصة عندما نتحدث عن "عطاءات" معينة، خلقت ثغرات في عملية الرقابة على موضوع الدجاج.اضافة اعلان
 لن نستبق الأمور، والقضية اليوم بين يدي القضاء. لكن المهم في الأمر أنّ وعي بعض المواطنين في الكرك، حيث كانت توزع كميات من الدجاج، وشعورهم بعدم الارتياح من رائحته ولونه، ساهم في آليات الرقابة، إذ تم إبلاغ مؤسسة الغذاء والدواء، وتتبع مصدر الدجاج، وساعد أحد الصحافيين في سرعة الوصول إلى موقع المخازن، واكتشاف قرابة 68 طنّاً من هذه الكمية، وتم استدعاء الطب البيطري ووزارة الصحة، وتأكيد عدم صلاحية الكمية للاستخدام البشري، ووجود مخالفات كبيرة، فتم إبلاغ رئيس الوزراء، الذي أبلغ النائب العام، ثم احتجاز بعض التجار النافذين، على سبيل التحقيق.
 على أيّ حال ليست هذه هي المرّة الأولى التي يجري فيها اكتشاف كميات فاسدة من الغذاء، لكن خطورة الأمر هذه المرّة أنّنا نتحدث عن شركات معروفة، تدير مطاعم مشهورة، وعن كميات كبيرة، وعن بعض الكميات التي تسرّبت، ما يثير بالفعل حالة من الجزع والقلق لدى المواطنين جميعاً، ويضر بسمعة المطاعم والغذاء، بخاصة بعدما قامت الإمارات بوقف استيراد منتجات زراعية أردنية بدعوى وجود "بقايا آثار مبيدات".
لا يمكن تعتيم أو تسويد الصورة كاملةً، والقول بغياب الرقابة، فمؤسسة الغذاء والدواء نفسها هي مؤسسة فاعلة وقوية تمكنت خلال الأعوام الماضية من اكتشاف كمّ كبير من المخالفات، وتم تحويل أعداد كبيرة للقضاء، وأغلقت مطاعم مشهورة، وأتلفت آلاف الأطنان من الطعام الفاسد، فلا يمكن شطب كل ذلك بجرّة قلم. لكن في المقابل من الضروري تتبع وتحليل نقاط الضعف في العملية كاملة، والآليات المختلفة، التي قد يخرج بعضها عن يد مؤسسة الغذاء والدواء، وتكون مناطة بمؤسسات أخرى، فلم يعد ممكناً ولا مقبولاً اليوم التساهل في هذا الأمر.
بيت القصيد في الفضيحة الحالية يتمثل في إسكات أصوات بعض رجال الأعمال والسياسيين المتفذلكين المتذمّرين من مؤسسات الرقابة في الأردن، بدعوى أنّها تبالغ في التشديد، وكان الحديث خلال الفترة الماضية منصبّاً على مديري مؤسستي الغذاء والدواء والمواصفات والمقاييس، فأيّ تراخٍ أو تهاون أو مسايرة لبعض رجال الأعمال وأصحاب المصالح على حساب الوطن والمصلحة العامة سيؤدي إلى آثار ونتائج كارثية، ليس فقط على الصحة العامة وصحة المواطنين، بل على علاقتهم بالدولة وثقتهم بها!
 الحكومة تراهن على أنّ مشروع القانون الموضوع اليوم في مجلس النواب الذي يعمل على توحيد مؤسسات الرقابة وتنسيق جهودها، وردم الثغرات التي قد تؤدي إلى مثل هذه الكوارث، لكن هذا وحده لا يكفي، فهناك جوانب أخرى على الدرجة نفسها من الأهمية، إن لم يكن أكثر، وتتمثل في التشديد على تطبيق العقوبات التي نص عليها القانون المعدّل، وعدم تهاون الدولة مع أي مخالفات، ورفض الوساطات والمحسوبيات والتدخلات من قبل النافدين لإغلاق ملف أي قضية.
 اليوم دولة القانون على المحك، وكل ما قامت به الدولة خلال الأعوام السابقة للتأكيد على هذا المفهوم هو موضع اختبار، لكن قبل هذا وذاك المطلوب رسالة سياسية قوية من الدولة واضحة للرأي العام والمواطنين بأنّه لا أحد فوق القانون بعد اليوم.