فضيحة وطنية

بعد ما قاله وزير التربية والتعليم د. محمد الذنيبات، في اجتماع اللجنة المالية النيابية أول من أمس، فإن على كل الآباء والأمهات اختبار قدرة أبنائهم الطلبة في مرحلة التعليم الأساسية، على القراءة والكتابة، خصوصا وأن نسبة من لا يجيدونهما، بحسب الوزير، كبيرة. وهو ما يعني أن كثيرا من أرباب الأسر سيكتشفون الجريمة التي ارتكبت بحق أطفالهم، الذين تنص كل المواثيق الدولية على حقهم في التعليم.اضافة اعلان
أظن أن 100 ألف رب أسرة، على الأقل، أصيبوا بصدمة من المعلومات التي أعلنها الوزير، بأن 100 ألف طالب وطالبة في الصفوف الثلاثة الأساسية الأولى لا يستطيعون قراءة الحروف العربية والإنجليزية.
الوزير خفف اللغة حينما لم يصف هؤلاء الطلبة بالأميين، ربما لتخفيف الصدمة على المتلقين الذين يظنون أن أولادهم ينهلون العلم.
إعلان الوزير عن هذه المأساة المُرّة يحسب له لا عليه؛ فأصل حل المشاكل هو الاعتراف بها. بيد أن ذلك لا يمنع من القول إن ما كشف عنه الوزير يشكل فضيحة بحق! إذ كيف بلغ النظام التعليمي هذا المستوى المنحدر؟ وماذا فعلت الحكومات السابقة التي كانت ترى هذه المشكلة تتضخم من دون أن تحرك ساكنا، حتى صار 22 % من إجمالي عدد الطلبة "أميين"؟ ما يعني أن النسبة بين هذه الفئة تحديدا أعلى من ذلك بكثير.
الآباء اليوم مصدومون. وغدا سيصبح هؤلاء الطلبة أنفسهم أرباب أسر، ولنا أن نتخيل حينها ماذا سيقدمون للمجتمع! سيضحون متهمين، رغم أنهم اليوم ضحايا لنظام تعليمي فاسد، أفسد كل شيء.
لا أقتنع بقلة الإمكانات كسبب لهذه النتيجة الكارثية. ففي زمن مضى، كان الآباء والأجداد يذهبون إلى "الكتاتيب" للحصول على العلم. ورغم قلة الإمكانات، بل وانعدامها أحيانا، كانت المخرجات أفضل وأرقى بكثير مما يتوفر اليوم.
كنا نشكو من مناهج التلقين، لنكتشف اليوم أن الأزمة أعمق بكثير. فماهية المناهج قد تؤثر في التفكير الخلاق لدى الطلبة، لكنها بريئة من الأمية التي تتفشى بين أولادنا.
الحلول التي طرحها الوزير لمواجهة الكارثة، من خلال زيادة عدد المدارس بكلفة تصل إلى 450 مليون دينار، لن تحل المشكلة، ولن تساعد على حلها.
أين المتسبب، وكيف انحدر المستوى إلى هذا الحد؟! لا أعرف كيف يرتاح ضمير مرتكبي هذه الجريمة بحق الأجيال القادمة! فمهنة التعليم هي بالأساس مهنة ضمير، ومسؤولية وتفان.
الظاهر أن "خربطة" القيم التي يعيشها المجتمع أصابت كل شيء بالعطب، وأخطره ذلك الذي ضرب قطاع التعليم العام المدرسي والعالي.
المشكلة معقدة ومركبة، والجميع مسؤولون. المعلم هو أول المتهمين، منذ فقدت هذه المهنة قيمتها، وكفر المعلم بدوره في بناء قدرات الأجيال المقبلة. لكن ذلك لا يبرئه من التقصير، خصوصا مع براءة الأطفال. فتعليم الأحرف والقراءة الأساسية، لا يحتاج إلى أكثر من رغبة في العطاء، ولا يتطلب إمكانات خارقة، تعجز أمامها المخصصات المالية للخزينة.
الواضح أن الجميع مهملون، بمن فيهم أرباب الأسر. فكيف يحدث أن ينهي الطفل عاما أو أكثر في المدرسة، والأهل غائبون لا يفعلون شيئا لإنقاذ أطفالهم من الجهل والأمية؟!
الحالة تؤشر إلى نتيجة خطيرة، وهي أن نسبة لا بأس بها من الأسر الأردنية بدأت تفقد الإيمان بأهمية التعليم لتوفير حياة أفضل لأولادهم. وهذا بعكس الثقافة التي سادت المجتمع لعقود طويلة؛ حين آمن الأردني بأن التعليم يفتح آفاقا لأولاده نحو مستقبل أكثر استقرارا. وهذا ما ميز الأردن على مستوى الإقليم، وجعله دارا لتخريج الكفاءات قبل زمن.
بالمناسبة، المشكلة قديمة، لكن مداها اتسع. فاليوم، نسمع من أساتذة جامعات أن ثمة طلبة لديهم لا يحسنون القراءة والكتابة والإملاء. وهذا أمر محزن، ويكشف حجم الخراب الكبير الذي عم وانتشر وسط صمت رسمي، تأخر كثيرا عن الاعتراف بالمشكلة.