فعلان خادشان!

ليست “الحادثة” التي أربكت عمان وباقي المحافظات، التي أقصدها بالضرورة، مع أنه بصراحة ومع نسبة مشاهدة الفيديو الشهير أول من أمس على اليوتيوب، ليس لدي مهرب من التحدث في صلب الموضوع، الذي أثار زوبعة وفتح مجالات لنقاشات لم تنته بعد. وإن انتهت فإنها لم تكن على خير!اضافة اعلان
لنعترف أن القصة من حيث المبدأ جاءتنا على الطبطاب، لتزيح أفكارنا ومتابعاتنا قليلا عن أخبار الإرهاب والعنف والخوف. وقد ألهت متتعبي الأخبار الدافئة لفترة ليست بسيطة، قياسا بحجم التحليلات والتأويلات والمحاكمات، وتبعا لكمية التنهدات والزفرات والشهقات التي تلت المشاهدة.
معروف، وهذا ليس سرا أن الشعب العربي بعمومه “مضروب” نوعا ما بقصة العواطف والرومانسية ما ظهر منها وما بطن في الوجدان والروح والأحلام. ومعروف أيضا أن ممارسة مظاهر الحب على العلن، حتى لو كان حلالا زلالا، يعتبر خادشا للحياء العام، الذي لا أعرف حقيقة إن ظل على عافيته أم لا، في خضم عواصف التغيير الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية. فمثلا لو راقبت ردود أفعال مدعوين على حفل زفاف من حفلات هذه الأيام، وعيونهم التي تتعب وهي تراقب أو تدعي أنها لا تراقب تصرفات العرسان الآخذة في “التطور” سنة عن سنة، ستتعرف على عمق المشكلة التي تواجه الشعب العربي في داخل داخله. ستتلمس، وربما بداية منك شخصيا، تأثير اللمسة الخاصة والعناق وحتى القبلة، التي صار يستحلي كثير من العرسان إظهارها أمام الناس، وسط أصداء متناقضة جدا بين من يشجع ويبارك وبين من يستغلظ ويجافي.
في الشارع، من منا رأى اثنين لا يعرف العلاقة التي تربطهما إن كانت زواجا أم خطبة أم عشقا، يمسكان بأيدي بعضهما أو ملتصقين وهما يسيران سويا، ثم لا يتابع المنظر حتى يغيبان عن ناظريه تماما؟ من منا لم يكن واحدا من اثنين لا ثالث لهما؛ كاره حاقد/ة، أو سعيد حالم/ة؟  والثالث بالضرورة هو الذي لا شأن له، وهو بالتأكيد لا يحمل جواز سفر عربيا!
لا نستطيع ولا بأي حال من الأحوال أن نحيد تربيتنا وشعائرنا الاجتماعية عما يحدث حولنا من مشاهد. إنما الغريب هو أن نواجه تلك الحالات، ولا أقول الظواهر، بآفات وأخطاء معيبة لا تقل إساءة عن الحدث نفسه. الغيبة والنميمة وفضح المستور، حتى لو لم يكن مستورا بفعل تدخلاتنا، أوقع إيذاء وأشد إيلاما من ارتكاب الخطأ. فمن نحن لننصب أنفسنا أوصياء على المجتمع ونبدأ بتشييد المحاكم لمن هم خارج ملة ممارساتنا؟ فالجريمة، حتى الجريمة، لا تكتمل عناصرها إلا بإشهارها. ولو كنا نحكم على القبلات والأحضان العلنية على أنها جريمة، فلتكن عناصر إشهارها على الأقل أخلاقية!
الفيديو الذي التقط اثنين غائبين عن الوعي العام، والعادات والتقاليد المحافظة، قام بتسجيله وتصويره مجموعة مكونة من إناث وذكور، يبدو أنهم يعملون معا في مجتمع مختلط عادي. راقبوا المشهد معا، علقوا عليه وهم جنبا إلى جنب، قبل أن يتخذوا قرارا جماعيا بنشره! لم أشعر من تعليقات المصورين أنهم يحسون بالخجل أمام بعضهم بعضا، حتى تكتمل صورة الأخلاق الحميدة على أقل تقدير. أهذه هي الأخلاق؟ أن تفضح أفرادا غير مسؤولين، بطريقة غير مسؤولة أمام  أهاليهم ومجتمعهم؟ هل يكون علاج المرض بمرض آخر؟! هل علينا أن نغتاب الناس ونأكل من لحمهم “ولو كان مكشوفا” لأنهم مستهترون مثلا؟
الذي يحدث في مجتمعاتنا يعكس حرمانا عاطفيا شديدا، يلازمه بل ويتكبل به شعور خبيث بلذة الانتقام من الآخر. وهذا يستدعي قراءة متأنية في علم السلوك والاجتماع من قبل مختصين ومهتمين بالشخصية العربية.
وعلى سيرة المسؤولية المجتمعية، لقد كان من الإنصاف برأيي، استدعاء منتجي ومخرجي شريط الفيديو والموزعين، مع الممثلين إلى الأجهزة الأمنية. ثم ماذا يمنع شطب الفيديو من “يوتيوب” فورا، قبل أن تتجاوز نسبة مشاهدته الخمسة عشر ألف مشاهدة، وهي النسبة التي تزامنت مع كتابة هذه السطور؟