فقدان الأصدقاء يجعل كبار السن في حالة خوف دائم

كبار السن يتأثرون برحيل أصدقائهم لأنهم يتألمون على ذكرياتهم معهم-(أرشيفية)
كبار السن يتأثرون برحيل أصدقائهم لأنهم يتألمون على ذكرياتهم معهم-(أرشيفية)

منى أبو حمور

عمان- يسيطر هاجس الموت على عقل الستيني الحاج علي، ولا يعرف كيف يتغلب عليه، بعد أن فقد صديقه ورفيق عمره فلاح، الذي كان يتقاسم معه أجمل أوقات حياته.اضافة اعلان
ويشعر الحاج علي بالقلق والخوف من الموت، الذي يطارده ولا ينفك عن التفكير بفكرته منذ أن وصل إلى مسامعه خبر وفاة صديقه الستيني الذي "نزل على مسامعي كالصاعقة، ولم أجد سوى البكاء للتخفيف من الحزن الذي سيطر على قلبي، الذي أرهقه الحزن، وكأن الموت لن يأخذ أحدا سواه"، وفقا لقوله.
ويتفق معه الخمسيني أحمد، الذي أمضى سنة كاملة، وهو في حالة من الحزن والأسى، منتظرا أن يدق الموت بابه، جراء فقدانه لأخيه التوأم، معبرا عن ذلك بقوله "منذ أن بلغني خبر وفاة أخي والألم والحسرة يسكنان قلبي، وكأنني فقدت شيئا من جسمي".
ويمتزج في داخله شعور بين الحزن على فقدانه لأخيه رغم مرور سنة على وفاته وعدم تقبله لهذه الفكرة، والأحلام التي تراوده دائما بأن وقته قد حان.
ورغم تباعد العمر، إلا أن الثلاثيني معاذ، يشاركه الرأي، وهو يأخذ من الموت عظة "فقد كان له الدور الكبير في تغيير مجرى حياتي، ولكن عظمة الموت وطرقه أبوابنا من دون ميعاد هما ما أيقظا في نفسي المسؤولية"، مبينا أن الموت لم يكن نهاية بل حافزا، ونقطة تحول لها ذلك الأثر الإيجابي الذي يدفع إلى المضي قدما، وأن الحياة فيها الكثير الذي يستحق للعيش والاستمرار لأجله.
ويعد اختصاصي علم النفس د.جمال الخطيب، الإنسان في حالة خوف دائم من الموت، ولكن أكثر ما يكون مثل هذا الشعور عند كبار السن، لاسيما عند موت شخص قريب وعزيز لديهم، وفي سن مماثلة لسنهم، ما يسبب لهم الضيق الشديد، وكأن الموت اقتصر على أبناء هذا الجيل فقط.
تثير حالة الموت ردود فعل قوية لدى أصحابها، تبدأ بالصدمة والذهول، وتستمر مع الشخص من ثلاثة أيام إلى أسبوع، ثم الغضب والقلق، اللذين يسيطران على الشخص من أسبوعين إلى شهر، بعد ذلك تصل إلى مرحلة الانفعال، ويتمثل بالحزن الشديد، وفقا لاختصاصي علم النفس محمد الحباشنة.
ويبين أن الإنسان، وبعد مرور شهر على موت الشخص المقرب له، يشعر بالانفعال والغضب يتلاشيان تدريجيا، أو ما يسمى بـ"التقبل"، مشيرا إلى أن ما هو متعارف عليه في التراث الشعبي "كسر حدة الحزن بعد مرور أربعين يوما"، وهي حالة يصل فيها الإنسان إلى بداية التكيف مع فكرة الموت.
يقول الحباشنة "إن تقبل فكرة الموت عند الأشخاص، يختلف باختلاف طبيعة تكوين الإنسان ومفاهيمه، كأن يكون متفائلا، ويكون للعنصر الإيماني الدور المهم في تكيف الإنسان مع الموت".
ويرى الخطيب أن القناعة بأن العمر مقدر من الله وخارج عن إرادة الإنسان، والإيمان بقدرية الموت، كلها عوامل تساعد على التخفيف من وطأة الموت على الشخص الذي يفقد إنسانا عزيزا عليه.
أما فيما يتعلق بشدة الصدمة وقوتها أو برودها، فيعتقد الخطيب أن الموت المفاجئ للشخص يترك صدمة كبيرة لدى المتلقي، على النقيض من الموت الذي يسبقه المرض، والذي يهيئ من حوله من الأشخاص، على تقبل وقوع الموت في أي لحظة، بل ربما تصل الأمور إلى تمني الموت للمريض، على البقاء تحت تأثير الألم والمعاناة.
اختصاصي علم الاجتماع د.سالم ساري، يرى أن قلق الموت لا يقتصر على كبار السن، فهو موجود عند جميع الفئات العمرية، لكنه عند كبار السن أكثر، ليس لأنهم يعتقدون أن دورهم يقترب، إنما ينبع من الخوف على الذكريات التي تجمعهم بالشخص المتوفى وصعوبة تعويض تلك الألفة والمودة، "فالموت عند كبار السن؛ أي بعد عمر الستين، يعد مسألة ثقافية تماما تختلف باختلاف الثقافات"، وفقا لساري.
ويقول "إن الأشخاص المتعلمين يتمتعون بروح الشباب، ويرون في أنفسهم الإنتاج، حتى ولو كان ذلك في عمر الثمانينيات، على النقيض من الشخص في سن الأربعين من غير المتعلمين، الذين يرون أنهم أدوا رسالتهم وأنهم يحتلون مكانة اجتماعية وجاهية لا تتطلب منهم العمل والإنتاج".
وفيما يتعلق بدور الأسرة في القدرة على محاولة تخفيف وطأة موت الصديق وروع هذه المصيبة على صاحبها، يرى الاستشاري الأسري أحمد عبدالله أنه لزام على الأسرة أن تحاول قدر المستطاع أن تشاركه هذه الحالة، من خلال مبادلته الأحاديث ومشاركته الذكريات التي كانت تجمعه مع صديقه، ما يساعد على التخفيف عنه، لا أن نطلب نسيانه، وأن تركه يعيش الحالة وحده، وعدم التواصل معه في هذه الفترة، يزيدان من سوء وضعه النفسي.
الجميع يؤمن بحتمية الموت، سواء كان الإنسان كبيرا أم صغيرا، ولكن تقبل فكرة الموت تختلف من شخص إلى آخر، ولكن كبار السن يتأثرون لأنهم يتألمون على ذكريات ماضية مع من أحبوا.

[email protected]