فكر تنموي جديد

ما زالت الفرصة متاحة أمام الحكومة الحالية للخروج من جلباب الحكومات السابقة ، والكف عن تجريب المجرب والتعلم من الدروس السابقة وتحديدا في التنمية المحلية في المحافظات أي الإجابة عن أسئلة الناس في شؤون البطالة والتشغيل والفقر والخدمات ونوعية الحياة ، ونقصد هنا البحث عن فكر تنموي جديد يقوم على فهم حدود الموارد المحلية والابتكار في الحلول الاجتماعية والاقتصادية والكفاءة التنفيذية . اضافة اعلان
إلى هذا الوقت لا توجد أصوات داخل الخطاب الرسمي تعترف بفشل سياسات التكيف التقليدية ، لقد احتاجت الحكومات الأردنية أكثر من عقدين كي تعترف بعمق الفجوة التنموية واختلالات التنمية في المحافظات ، ومن العبث إعادة الدرس مرة أخرى؛  لدينا ثلاثة أمثلة شهيرة خلال السنوات الأخيرة الأول : فشل صندوق تنمية المحافظات في تحقيق الأهداف المطلوبة منه على الرغم من كون فكرة صندوق في مكانها لكن غابت الرؤية التنفيذية المبتكرة وحضرت آليات مربكة وغير مجدية . ثانيا : فشل المناطق التنموية في العديد من المحافظات، بل شكلت عبئا اقتصاديا إضافيا على خزينة الدولة وعلى المجتمعات المحلية ولدينا أمثلة على هذا الفشل مثلما حدث في منطقة معان وفي عجلون والبحر الميت وغيرها، ثالثا : فشل تطوير منظور الدور التنموي للمحافظين رغم الجهود التي بذلت في هذا الصدد ، واليوم تتوالى الإنذارات من فشل الصيغة الراهنة في تجربة اللامركزية . 
الماكنة السياسية  والاقتصادية  لم توفق في تحويل البلاد إلى واجهة جاذبة للاستثمارات  أحد الأمثلة على هذا الواقع الفشل في تحريك ولو نسب محدودة من الاستثمارات الوطنية أو جلب الخارجية نحو المحافظات ، فسلسلة الإجراءات والعمليات التي تحول بلدا ما إلى وجهة جاذبة للاستثمار سواء التشريعية أو الفنية والإدارية والاقتصادية تتمثل في رؤية سياسية بالدرجة الأولى تقوم على ثلاثة عناصر أساسية هي الإرادة السياسية أولا والحلول والابتكار ثانيا والكفاءة التنفيذية ثالثا ، لم يتوفر لدينا طوال السنوات الماضية إلا جزء من العنصر الأول المتمثل بالإرادة السياسية التي تمثلها القيادة السياسية لجلالة الملك سواء بقدرته على تقديم الأردن للعالم ، أو بحضوره الفاعل في المحافل الاقتصادية الدولية وجلبها للأردن في معظم الأحيان لا نجد من يمسك الخيط .

حسب التعداد السكاني الأخير (2015) كان أحد المؤشرات الصادمة التي لم تأخذ حقها من الاهتمام هو حجم التركز السكاني في العاصمة الذي اقترب من نصف سكان المملكة ، لم تعد عشرات المدن الأردنية الصغيرة ومئات البلدات والقرى الممتدة على طول البلاد وعرضها مولدة للحياة في أبسط ملامحها لا فرص ولا مستقبل ولا بنى تحتية حقيقية ولا طرق آمنة في الوصول إليها ، ما يجعل الأفق ضيقا أكثر ، والخوف من المستقبل حالة عامة وسط الشباب الذي يجد نفسه بين مثلث الهجرة أو المخدارت أو الاحتجاج بالتطرف أو العنف .
هذا لا يعني أن الكثير من الأفكار فاشلة بل غياب الرؤية التنفيذية وعدم وجود آليات المتابعة والتقييم ، نحن في أمس الحاجة  لتطوير سياسات عامة جديدة في مجال تنمية المجتمعات المحلية تعكس فكرا جديدا للتنمية ، وربما هذه فرصتنا الأخيرة قبل أن تزداد الصعوبات تفاقما ، في أمس الحاجة لإعادة اكتشاف التنمية الريفية الشاملة، القائمة على الاقتصاد الإنتاجي الفلاحي الذي ينتجه الناس من خلال بيئاتهم المحلية، بما توفره من موارد، وبما يتوفر لديهم من معرفة تقليدية قابلة للانفتاح على المعرفة المعاصرة والتكنولوجيا البسيطة والتصنيع الصغير، جنبا إلى جنب المشاريع الانتاجية العملاقة التي قد تكون عابرة للمدن والمحافظات.