فكّرنا العماد "عون".. طلع فرعون

هكذا تستمر الأخلاق بالتهاوي من رؤوس أرباب المصالح السياسية في الوطن العربي، وتجتاح أوساط المسؤولين العرب وأصحاب الحل والعقد نوبة من موت الكرامات والنواميس في مواجهة ما يحدث من قتل وتشريد وتشويه وتدمير وتفجير وإرهاب وتمزيق في بابا عمرو ومحيطها الحمصي خصوصاً، وفي سورية عموماً.اضافة اعلان
ليس جديداً ذلك التخاذل العربي والهوان والذل، وليس غريباً أن تبلع الناس ألسنتها تجاه أحداث مصيرية وحوادث تغير وجه الأرض والتاريخ، فقد جربنا ذلك في العصر الحديث منذ احتلال فلسطين وإعلان قيام الكيان الصهيوني الاستيطاني التوسعي الغاصب فوق الأرض المقدسة، التي بارك الله حولها، في أربعينيات القرن الماضي، وأعيدت الكرّة أكثر من مرة في حرب الخليج الأولى والثانية والثالثة (والرابعة على الطريق). وكان الذل والتفرق العربي سبباً في اللجوء إلى أميركا لإخراج صدام من الكويت وإسقاطه.. والأمثلة على ذلك كثيرة.
وحتى لا نستطرد ونخرج عن نطاق الموضوع السوري لدى زعماء لبنان، نتجول في بيروت لنرى العجب العجاب من سياسييها. فالعماد ميشال عون العدو اللدود الأسبق للنظام الأسدي، والذي سقط في مواجهته من الجنود السوريين حوالي 3 آلاف جندي سوري، يصرح أمام عدد من السياسيين بأن الأزمة السورية انتهت، حسبما أوردت بعض وسائل الإعلام اللبنانية، ويؤكد أن يوم الثلاثاء المقبل هو اليوم التاريخي المفصلي لنهاية الأزمة!
تصريحات عون تترك أكثر من علامة استفهام، وتفتح الأبواب على مصاريعها للتأويل والتقدير، فمن جهة تحمل هذه التصريحات وجه الموالاة القبيح لقوى 8 آذار مع نظام بشار الأسد، وتؤكد أن انتصار الجيش الأسدي على شعبه بات وشيكاً، ومن جهة أخرى تحمل هذه التصريحات أبعاداً خطيرة قد تنتج عن اجتماع وزراء الخارجية العرب المنتظر اليوم في القاهرة.
وأياً ما كانت الأفكار التي ساقت العماد ميشال عون إلى إطلاق هذه التصريحات الغريبة، فإن التقدم في السنّ قد فعل فعله مع ذلك السياسي المتقلّب، فقراءة الوقائع على الأرض تشير إلى أن سورية مقبلة على سنوات عجاف من الحرب والنزاع والتمزق، حيث إن قوة العناصر المنشقة عن الجيش تزداد شيئاً فشيئاً، ورغبة المظاهرات السلمية بالتحول إلى مسلّحة للدفاع عن النفس تظهر بوضوح، وعين الخارج بدأت تحمرّ على الأسد ونظامه، ونبيل العربي وجامعته اقتربوا من نهاية المهل المقدمة لقتل الشعب السوري. والأكثر وضوحاً من كل ذلك أزمة الملف النووي الإيراني وتصاعد النبرة بين طهران وإسرائيل بعد تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير، وهو ما سيشغل الولي الفقيه ونجاده بأوضاعهم الداخلية والخارجية عن الشأن السوري، بالإضافة إلى ازدياد روسيا بُعداً عن إيران والمنطقة لعدم قدرتها على مواجهة الغرب طويلاً. المعطيات على الأرض تقول لعون وأصحابه "الآذاريين": عليكم بشد الأحزمة، لأن ما يسيل في سورية من دماء غصت به أرضها لا بد أن يصل رذاذه إلى لبنان الذي أقحم نفسه عنوة في الشأن السوري، مع أنه كان غنياً عن ذلك، وكان الأحرى به أن يقف مع الشعب ضد جلاده، على اعتبار أنه أبقى مهما تمادى الجلاد في عتوّه. ولكن سياسيي بيروت ظهروا خلال الأشهر الثمانية الماضية بوجه لا يقبله أحد من الشرفاء، وأي نتيجة تترتب على ذلك فهي متعلقة في رقابهم، وهم من أقحموا أنوفهم فيها وجرّوا لبنان إليها جرّاً كما تساق الشاة إلى مسلخها.
لا نقول هذا الكلام ونحن مرتاحون له أو متمنّون حدوثه، بل على العكس تبقى بيروت عروساً يخطب ودها كل العرب، ولا أحد يتمنى أن ترزح هذه الأيقونة تحت نير الحرب مجدداً، فقد ذاقت من ويلاتها ما لم يذقه غيرها خلال السنوات الأربعين الأخيرة. ومن هذا المنطلق يوجّه ربيع دمشق رسالة إلى البطريرك بشارة بطرس الراعي، إلى العماد ميشال عون، إلى الرئيس نجيب ميقاتي، إلى أبناء الولي الفقيه وزمرته في لبنان، إلى عقلاء الجبل والبقاع والجنوب والشمال وبيروت.. بأن يكونوا مع لبنان وسورية فإنهما باقيان، وألا يكونوا مع مجرمين بحق شعوبهم، ونهايتهم في ساحة المرجة قريبة، والتاريخ سيكون خير دليل.

[email protected]