فلتكرم الحكومة من جيبها

سلامة الدرعاوي

لن نناقش موضوع حبس المدين أم لا، فالنقاش منته، والأردن وقّع على اتفاقية دوليّة بهذا الخصوص لمنع حبس المدين، والقرار سيطبق في أقرب وقت، ولن يكون هناك تراجع عن هذا الموضوع.اضافة اعلان
لكن الملفت للنظر مسارعة الحكومة في إنجاز موضوع عدم حبس المدين تنفيذاً لتعهداتها الدوليّة التي لم تقدم أي ضمانة لحق الدائن، فالحكومة التي ترى بعدم حبس المدين انه سيستفيد منه 84 ألف شخص مدين، هي لا ترى بذات العين أن هناك أيضاً 84 ألف دائن ستضيع حقوقهم لعدم وجود أي ضمانات للتحصيل، فكل مسوغات الحكومة ومبرراتها للرأي العام لم تكفل أي نوع من حقوق الدائن، بالعكس، كأنها تقول له أسقط دينك ولا تطالب به.
الحكومة بهذا الأسلوب والتعنت في إخراجها السيئ لموضوع عدم حبس المدين تتدخل بشكل مباشر في العلاقات التعاقدية بين الأفراد والجهات الاقتصادية المختلفة، وتنهي هذه العلاقة بقوة السلطة التي لديها، وتتغوّل على حقوق ثابتة وأصيلة لأحد أطراف العلاقة التعاقدية الماليّة.
الحكومة بموجب تعديلات قانون التنفيذ ستلغي حبس المدين لكل معاملة ماليّة تقل عن 5000 دينار، علما أنها لم تقدم شيئا للدائن، فعدم حبس المدين في دول العالم ومنها الإمارات على سبيل المثال لا الحصر يعقبه إجراءات إدارية ومالية كبيرة ضد المدين الذي لن يحبس ضمن هذه المبالغ، فهو لا يستطيع فتح أي حساب مصرفي، ولا يستطيع الحصول على قروض من أي جهة، ولا يستطيع ممارسة حقوقه السياسيّة في بعض الدول، ويكون الحجز عليه إذا وجدت له أصول، ولا يسمح بالتصرف بها إلا ما ييسر أموره المعيشية فقط لا غير، والأهم من ذلك كله، أن هذا القرار يجب أن يسبقه تأسيس نظام فاعل للمعلومات الائتمانية التي تمكّن الجهات الرسميّة من معرفة كل تفاصيل النشاط المالي لذلك الشخص المدين، وهو للأسف غير موجود بالشكل الشامل المعمول به في غالبية الدول.
والسؤال الأهم في هذا الموضوع، بما أن الحكومة تريد إسقاط المبالغ المالية على المدين التي تقل عن 5000 دينار، فهل ستقوم هي الأخرى بإسقاط مطالباتها المالية عن المواطنين والشركات التي تقل عن هذا المبلغ أيضا؟
شخصيا، أعرف أحد أكبر رجال الأعمال في المملكة، جرى منعه من السفر في المطار بسبب غرامة مالية مستحقة على شركته من وزارة خدمية بقيمة 130 دينارا، إضافة إلى الحجز على ممتلكات وأسهم الشركة التي تبلغ قيمتها عشرات الملايين.
وكيف ستتعامل الحكومة مع حاملي البطاقات الائتمانية التي يقل سقفها عن الخمسة آلاف دينار إذا ما استنكف العميل عن دفع مستحقاتها للبنك؟
وكيف ستعوض الحكومة بقرارها على هذا النحو الذي أعلنت عنه لمؤجري الشقق والتي في الغالب أجورها أقل عن خمسة آلاف دينار في العام؟، وكيف ستضمن شركات المياه والكهرباء تحصيل ذممها على المواطنين والتي تبلغ مئات ملايين الدنانير؟
الحكومة خلطت الحابل بالنابل، فهي لا تفرق بين قضية الغارمات التي سببها ضعف الرقابة الحكومية في موضوع الربا الفاحش الذي يقوم به عدد محدود من المقرضين بأسعار فائدة عالية جدا لأشخاص غالبيتهم من النساء في القرى والمحافظات لشراء هاتف خلوي لا أكثر تحت مرأى ومسمع من الحكومة التي لم تتخذ أي إجراءات لعقاب هذه الفئة التي تغوّلت بشكل كبير في المجتمع خلال السنوات الأخيرة.
الحكومة لم تفرق في قضية عدم حبس المدين من النساء المتعثرات اللاتي أخذن قروضا من صناديق إقراض المرأة وغيرها من المؤسسات الأهلية الرسمية والتي كانت تمنح قروضا أقرب ما تكون لنظام الأعطيات.
المعاملات التي تحدث في القطاع الاقتصادي مبنية على تفاهمات مسبقة بين الدائن والمدين، ولا يمكن للحكومة أن تتغوّل على جهة دون أن تضمن حقوقها، وإذا أرادت ذلك فلتدفع التعويض للدائن من خزينتها وجيوبها إذا كانت متعاطفة بهذه الدرجة مع المدين، فلتقدم له تعويضات ضريبيّة إذا ما تم شطب دينه تحت طلب وضغط الحكومة أو أي شيء إجرائي يضمن حقوق المواطنين والشركات على حد سواء، وإلا فإنها ستخلق فوضى سيكون لها تداعيات سلبية وخيمة على الاقتصاد الوطني.